بقلم دافيد عيسى
عاد ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا إلى الواجهة بعد سنوات طويلة من رفض النظام السابق التطرق لهذا الموضوع.
لكن الأحداث الأمنية المتكررة التي حصلت مؤخراً على جانبي الحدود، وما رافقها من اشتباكات وتوترات، فرضت إحياء هذا الاستحقاق كضرورة وطنية وأمنية في آنٍ واحد.
كما ان الورقة الأميركية التي ناقشها الموفد الرئاسي توم براك مع بيروت ودمشق، أعطت دفعاً جديداً لهذا المسار.
لذلك المطلوب ليس فقط ضبط المعابر ومنع التهريب، بل معالجة نزاع عمره أكثر من ثمانين عاماً، يمتد على طول ٣٦٠ كيلومتراً من الحدود، بينها نحو ٥٠ كيلومتراً من القرى المتداخلة حيث تتشابك الأراضي الزراعية والمياه والتداخل السكاني.
هذا الملف كان مطروحاً في زيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى باريس، حيث جرى التأكيد على أولوية الترسيم.
كما أن فرنسا والسعودية دخلتا إلى جانب الولايات المتحدة على خط الوساطة، ما يعكس اهتماماً دولياً بإقفال هذا الجرح المفتوح.
وفي هذا الإطار ايضاً، كان قد عقد اجتماع بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ووزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة في السعودية برعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وانتهى بتوقيع اتفاق أكّد على “الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين سورية ولبنان، وتشكيل لجان قانونية ومتخصِّصة، وتفعيل آليات التنسيق للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية.
وقد تلاه في الأيام الماضية اجتماع بين مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي ورئيس جهاز الاستخبارات السوري حسين السلامة، برعاية سعودية أيضًا، لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين ومتابعة الملفات العالقة.
وفي الإطار نفسه قد كان لافتًا ما صرح به الرئيس السوري أحمد الشرع خلال لقاء أجراه مع وفد إعلامي عربي، مؤكداً أنه يتطلع إلى كتابة تاريخ جديد للعلاقات اللبنانية–السورية، والعلاقة من دولة إلى دولة تقوم على معالجات اقتصادية واستقرار ومصلحة مشتركة”، معتبرًا أن سوريا تمثل “فرصة كبيرة للبنان”.
كما ستشهد الرياض لاحقًا اجتماعاً لبنانياً سورياً لبحث الملفات القضائية والأمنية العالقة.
ومن المنتظر أيضًا أن يزور الخميس المقبل لبنان وفد سوري رفيع برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني لمناقشة قضايا أساسية أبرزها عودة اللاجئين وضبط الحدود.
وهذا يعكس مسعى لإعادة تنظيم العلاقات الثنائية على أسس جديدة من الندية والاحترام المتبادل.
كما انه يعكس الرؤية الرسمية السورية لتطوير العلاقات الثنائية على أسس جديدة.
التوقيت الحالي لطرح الملف ليس تفصيلاً. فهو يأتي في ظل مستجدات أمنية على الحدود، وضرورة تفعيل القرار ١٧٠١، فضلاً عن التحولات السياسية في سوريا وبروز دينامية ديبلوماسية فرنسية – أميركية – سعودية متكاملة. ولعل الأهم أن الترسيم بات جزءاً من نقاشات أوسع تشمل ملف النزوح السوري في لبنان، والتعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.
الوقائع تشير بوضوح إلى أن غياب الترسيم يعني استمرار التهريب، وبقاء الحدود مشرعة أمام الجماعات المسلحة، وإبقاء التوتر بين أهالي القرى المتداخلة.
أما الترسيم، فيفتح الباب أيضًا أمام استقرارٍ طال انتظاره، ويمنح لبنان وسوريا فرصة لتثبيت سيادتهما وتعزيز التعاون في ملفات عديدة.
في الختام إن ترسيم الحدود بات ضرورة ملحّة، ليس فقط لأمن لبنان وسيادته، بل أيضاً لمصلحة سوريا التي تبحث عن استقرار يعيد إليها دورها الطبيعي في المنطقة.
المطلوب اليوم قرار شجاع من القيادتين اللبنانية والسورية، مدعوماً برعاية دولية، لتحويل هذا الملف من ورقة ضغط إلى فرصة تاريخية.
الإسراع في الترسيم وحده كفيل بفتح صفحة جديدة من العلاقات المتوازنة بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل وعلى سيادة كل دولة على أراضيها.
دافيد عيسى