بقلم دافيد عيسى
في قلب هذا الوطن الذي طالته أزمات لا تنتهي، يجد اللبنانيون أنفسهم مرارًا في دوامة صراعاتٍ لم يصنعوها، تتحكّم بمصيرهم أكثر مما تتحكّم به إرادتهم.
لماذا لا تكون مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، ويضعها أبناؤه أولًا؟
لماذا نستمر في تنفيذ أجندات خارجية، فيما يدفع وطننا الثمن؟
ألم يحن الوقت لهذا الوطن الصغير بحجمه، والكبير برسالته، أن يعيش بسلامٍ مع ذاته ومع محيطه؟
لقد تعب اللبنانيون من لعبة المحاور وانقسام الولاءات، ومن تكرار التجارب التي لا تولّد سوى مزيدٍ من الأزمات والعزلة والانهيار.
وكأنّ الدرس لم يُستوعَب بعد، وكأنّ أحدًا لم يتعلّم من تاريخٍ مثقل بالحروب والمآسي والانقسامات الداخلية.
في كل مرة يُفترض أن تكون مصلحة لبنان هي البوصلة، نجد أنفسنا غارقين في حسابات الآخرين، نحمل أجنداتهم ونرفع شعاراتهم، فيما وطننا يدفع الثمن موتآ، وحروبًا، وفوضى، وانحدارًا على كل المستويات.
أما آن للبنانيين أن يلتقطوا أنفاسهم بعد كل ما قدموه من تضحيات وآلام؟
أما آن لوطننا أن يرتاح، وأن ينعم أبناؤه بسلامٍ حقيقي واستقرارٍ دائم؟
لننظر إلى ما يجري في سوريا، التي عانت سنوات طويلة من الحرب والعقوبات والعزلة.
نجح الرئيس السوري أحمد الشرع، بخطواتٍ مدروسة وشجاعة، في إعادة وصل ما انقطع بين سوريا والعالم.
لتشكل زيارته إلى واشنطن بعدما أُعلن عن رفع اسمه واسم وزير داخليته أنس خطّاب من قائمة العقوبات والإرهاب حدثآ كبيرآ.
فالشرع هو أول رئيس سوري يزور واشنطن منذ ١٩٤٦، وقد عمل خلال الأشهر الماضية على التقدّم نحو مسار الشراكة مع الولايات المتحدة والعالم.
ولم يقتصر الإنجاز على السياسة، بل بدأت الاستثمارات والمشاريع الانمائية والاقتصادية تتدفّق، معيدةً الحياة إلى المدن والمناطق التي أنهكتها الحرب.
هذا التحول لم يكن صدفة، بل نتيجة قرار وطني بأن تكون مصلحة سوريا وشعبها أولًا.
فهل يتعظ اللبنانيون من هذا الدرس القريب؟
وهل يدركون أنّ العالم لا يحترم إلّا الدول التي تعرف ما تريد، وتتحدّث بصوتٍ واحد باسم شعبها؟
لقد آن الأوان لأن يجلس اللبنانيون إلى طاولة واحدة، في حوار صادق وشجاع برئاسة رئيس الجمهورية، العماد جوزاف عون، للاتفاق على أي وطن نريد وأي مستقبل نطمح إليه.
فلماذا الخوف من الحوار في بلدٍ يضم ثمانية عشرة طائفةً وعشرات الأحزاب؟
أليس التنوع مصدر غنى إذا أُحسن التعامل معه، بدل أن يكون سببًا للانقسام والتناحر؟
إن المصارحة وحدها قادرة على كسر الجدران بين المكوّنات، وإعادة بناء الثقة بين اللبنانيين على قاعدة المواطنة والشراكة الحقيقية.
ومن دون حوار جامع ومسؤول، ستبقى الخلافات تُدار بالوسائل الخاطئة، لكن بالحوار وحده يمكن للبنان أن يستعيد وجهه المشرق ودوره الرائد في هذا الشرق المتعب.
دافيد عيسى