مؤامرة تستهدف مصر.. حلف إسرائيليّ – إخوانيّ

بقلم أمين قمورية

«أساس ميديا»

مصر أمام التحدّي الأصعب. بعدما أكمل العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيّين زنّار النار المشتعل حولها، عاد خطر التهجير إلى الواجهة. الهوس الفاشي الصهيونيّ في ذروة هيجانه والدعم الأميركي مطلق له.

تواصل خطّة بنيامين نتنياهو وزمرته اليمينيّة الحاكمة قضم قطاع غزّة تدريجاً، وتعمل على فرض السيادة الكاملة على الضفّة الغربية. قد يفضي استمرارها إلى الدفع بمن بقي حيّاً من أهل غزّة إلى سيناء، وبالصامدين في الضفّة إلى الأردن. يهدّد التهجير الثاني كيان الدولة الأردنية برمّتها. يشكّل التهجير الأوّل خطراً جسيماً على الأمن القوميّ المصريّ قد يدفع بالقاهرة إلى حرب لا تريدها لكن لا مفرّ منها.

سندان إسرائيل ومطرقة الإخوان

في ذروة الخطر والترقّب، خرجت أصوات “إخوانيّة” مصريّة وفلسطينية تُحمّل القاهرة مسؤولية الأوضاع المأسويّة التي يعيشها الغزّيّون، وتتجاهل المرتكب الفعليّ، أي الإسرائيلي الذي يجاهر بجرائمه، فوجدت مصر نفسها بين السندان الإسرائيلي والمطرقة “الإخوانية”.

على الرغم من موقفها المبدئي الرافض للتهجير ودورها الوسيط لإنهاء الحرب والتخفيف من معاناة الفلسطينيّين وكسر الحصار وإيصال المساعدات الغذائية للمنكوبين والجوعى في القطاع والتعاطف الشعبي المصري الكبير مع الفلسطينيين، يؤخذ على القاهرة تقصيرها في الاضطلاع بدور أكبر في لجم إسرائيل وعدم الضغط الكافي لإنهاء الحرب ووقف المأساة، ذلك أنّها الدولة العربية الأقوى والأقدر وتملك من الأوراق ووسائل الضغط ما يمكّنها من فرض واقع مغاير على الأرض وفي الميدان السياسي والدبلوماسي. لكن أن يتظاهر إسلاميون عرب أمام السفارة المصرية في تل أبيب أمام الشرطة الإسرائيلية لاتّهام القاهرة بـ”حصار غزّة” وتجاهل مسؤولية إسرائيل عن كارثة القطاع، ويصل الأمر ببعضهم إلى دعوة إسرائيل إلى احتلال سيناء، فهذا أمر غريب ومثير للدهشة، ويطرح علامات استفهام عمّا يجري تحضيره في الغرف السوداء ضدّ مصر؟ وهل باتت القاهرة الهدف التالي للعدوان الإسرائيلي – الأميركي على الرغم من مواقفها المعتدلة والمعالجة المحدودة لأكبر جريمة إبادة تجري ضدّ الفلسطينيّين عند حدودها؟

تظاهرة إخوانيّة ضدّ مصر في تل أبيب

ما الذي جرى في الأيّام الأخيرة؟

مطلع الشهر الجاري، نظّمت “الحركة الإسلامية فرع الشمال” في الداخل الفلسطيني، وهي أحد الأذرع التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” بزعامة الشيخ رائد صلاح ونائبه كمال الخطيب، تظاهرة أمام السفارة المصرية في ساحة بازل في تل أبيب للمطالبة بفتح معبر رفح ووقف ما وُصف بـ”الحصار المصريّ على غزّة”، في خطوة قوبلت برفض واستنكار شعبيَّين ورسميَّين فلسطينيَّين. ووصفت شخصيّات وهيئات فلسطينية هذا العمل بالمشبوه، وتساءلت: لماذا لم تطلق الحركة تظاهرات أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية ومقرّات حكومة نتنياهو؟ وما هي طبيعة العلاقة بين بعض قيادات الجماعة الإسلامية والجهات الأمنيّة الإسرائيلية؟

جرت التظاهرة تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية، واستهدفت الشعارات مصر وتجاهلت تماماً دور إسرائيل وجيشها وحكومتها وما تقترفه ضدّ الغزّيّين من إبادة وتجويع وقهر وتدمير، وشارك ناشطون يهود في التظاهرة، ورُفعت الأعلام الإسرائيلية، وهو ما أضفى عليها طابعاً مسيّساً ومُعدّاً له سلفاً.

نظّمت “الجماعة” وتنظيمها الدولي سلسلة تظاهرات أمام السفارات المصرية في عواصم عالميّة عدّة، لا سيما في أوروبا وآسيا، وتجاهلا بشكل كامل أيّ دعوة إلى التظاهر أمام السفارات الإسرائيلية أو الأميركية. وأطلقت الجماعة ماكينة دعائية منظّمة تديرها منصّات مختلفة، بينها منصّة “ميدان” التي يديرها القيادي الإخواني المصري يحيى موسى في تركيا، ومنصّة “محرّري الشرق الأوسط” لتنظيم حملات تحريضية ضدّ مصر، في تناغم لافت مع خطابات إسرائيلية تستهدف تشويه الدور المصري.

انضمّت كيانات إخوانية نشطة مثل “المجلس الثوري المصري” في لندن، وحملة “ساعة فلسطين” المرتبطة بتنظيم الإخوان في تونس، إلى الدعوات، بهدف الضغط السياسي والتشويش الإعلامي. اللافت أنّ الادّعاءات التي تبنّتها هذه الكيانات في شأن مسؤوليّة مصر عن “حصار غزّة”، تبنّاها أيضاً عدد من الحسابات الإسرائيلية، أبرزها حساب الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين، الذي كتب على “إكس”: “العالم يدرك الآن أنّ مصر هي من تغلق غزّة، وليست إسرائيل”.

تؤكّد القاهرة أنّ معبر رفح لم يُغلَق من الجانب المصري في أيّ وقت، وأنّ تعثّر دخول المساعدات الإنسانية يعود إلى القيود التي تفرضها القوّات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر، بما في ذلك استهداف البنية التحتية وتعطيل حركة الشاحنات.

دعوة لاحتلال سيناء

في إطار الحملة نفسها، بلغ الأمر ببعض قياديّي “الإخوان” حدّ التحريض على احتلال سيناء. ففي فيديو جرى تداوله أخيراً، اعتبر القياديّ الإخوانيّ محمد إلهامي، المقيم في تركيا، وأحد مؤسّسي منصّة “ميدان” الإخوانيّة، أنّ من علامات نجاح أيّة ثورة في الدول العربية دخول الاحتلال، وأضاف أنّ من علامات نجاح الثورة في مصر دخول إسرائيل لسيناء واحتلالها. وأضاف إلهامي أنّ احتلال إسرائيل لسيناء أمر جيّد على المدى البعيد، لكنّه سيّئ على المدى القصير.

قد لا تكون هذه الحملات التحريضية مرتبطة مباشرة بإسرائيل، لكن من شأنها بثّ أجواء داخلية مشحونة تصبّ بشكل غير مباشر في إطار الضغوط الأميركية والإسرائيلية الكبيرة الجارية حاليّاً لدفع مصر إلى الرضوخ للإملاءات والقبول باستقبال اللاجئين من غزة مقابل إغراءات مادّيّة، والقبول أيضاً بالانضمام إلى النسخ الجديدة من الاتّفاقات الإبراهيمية التي تعطي الأولويّة للاتّفاقات الأمنيّة والمنافع الاقتصادية على حساب السلام العادل.  ولا يُستبعد في المرحلة المقبلة أن يزداد الضغط الإسرائيلي في اتّجاه البؤر السكّانية الفلسطينية لإجبار اليائسين على التوجّه نحو رفح المصرية بالإكراه أو بالقوةّ. وإذا سمح الجيش المصري باستقبالهم يكون  مخطّط الترانسفير تحقّق، وإذا رفض فقد يضطرّ إلى استخدام القوّة لمنع التهجير، وهذا قد يتسبّب في سقوط ضحايا في صفوف الفلسطينيين. وهكذا يصبح الجيش المصري هو قاتل الفلسطينيين، الأمر الذي يشوّه صورته ويدفع بالأميركيين إلى فرض عقوبات عليه ووقف المساعدات والسلاح عنه.

كسر مصر هو “الجائزة الكبرى” التي تتطلّع إليها قوى خارجية وداخلية في آن واحد، بعضها يسعى إلى إضعافها وإشغالها عن دورها القومي، والبعض الآخر يحاول استغلال الأوضاع الداخلية لتحقيق أجندات لا تخدم سوى مشاريع الهيمنة الدولية. الخطر يتزايد، والتحدّيات تُحاصرها من كلّ صوب. ولا سبيل لمواجهتها إلّا بتحصين الجبهة الداخلية.

مصر هي ضابط الإيقاع في معادلات القوّة الإقليمية والدولية، كلّما كانت قويّة وفاعلة، توازن ميزان القوى في المنطقة، وحينما تتعرّض للضعف أو الاستنزاف، تتهيّأ الأرضيّة لمشاريع الهيمنة والتفكيك.

أمين قمورية