كتب عوني الكعكي:
بكل صدق بدأت قضية حمل السلاح خارج شرعية الدولة منذ «اتفاقية القاهرة» عام 1969 التي أعطت موافقة عربية للفلسطينيين بأن يحملوا السلاح لهدفين:
الهدف الأول: القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل لتحرير فلسطين.
الهدف الثاني: حماية المخيمات الفلسطينية.
أما اليوم، وبعد مرور أكثر من 55 عاماً، فيمكننا القول إنّ هذا السلاح لم يحقق أيّاً من أهدافه بل كانت نتائجه سلبي.
أما حمل السلاح الثاني، فقد جاء بعد احتلال إسرائيل لبنان والوصول الى العاصمة بيروت عام 1982 في شهر حزيران بعد حصار لمدينة بيروت دام 100 يوم، بعدها دخلت إسرائيل الى بيروت، وكانت أوّل عاصمة عربية تحتلها إسرائيل، وطردت منظمة التحرير من لبنان من خلال مرفأ بيروت بالبواخر الى اليونان…
وكان من الطبيعي أن تنشأ مقاومة، فهذه سنّة الحياة، لأنّ كل احتلال يؤدي الى قيام مقاومة.
وبالفعل، فإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية دعمت مشكورة حزب الله الذي أنشأته عام 1983، وبقيت الحالة حتى العام 2000… يوم أعلنت إسرائيل انسحابها من لبنان من دون شرط أو قيد.
وبالفعل تحرّر جنوب لبنان على يد أبنائه الأبطال، وبقيت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا… وهاتان المنطقتان تعتبران «مسمار جحا» لإسرائيل. فإسرائيل العدو الماكر يستغل الثغرات ليدخل من خلالها الى احتلال العالم العربي، وطبعاً بدءاً بفلسطين.
بصريح العبارة، المقاومة أدّت واجبها كاملاً، ولم يَعُد لبنان بحاجة الى مقاومة، ولكن للأسف، يبدو أن الإيراني فرح بالتحرير معتبراً أن هذا يحقق له مكاناً على البحر الأبيض المتوسط، هذا أولاً.. وثانياً: احتلال لبنان والسيطرة عليه.
كما أن المقاومة أيضاً، أغرتها السلطة، فأرادت أن تسيطر على الحكم من خلال الانتخابات النيابية، فدخلت البرلمان، ثم تحوّل الطموح الى الطمع بالدخول الى الحكومة والسيطرة عليها تحت شعار: حماية السلاح.
هنا حصلت المصيبة.. ووقع الحزب الذي كان فخراً وانتصاراً للبنان من خلال تحرير الأراضي اللبنانية، في كمين السلطة والانجرار إليها.
المصيبة أنه عندما تحوّلت المقاومة الى نظام… فإنها تخلّت بذلك عن مبرّر وجودها.
الغلطة الثانية: كانت حرب 6 تموز 2006، يوم خطف الحزب عسكريين من جيش العدو الإسرائيلي، مما أدى الى حرب مع إسرائيل العدوّة، تمكنت إسرائيل خلالها من قتل 6000 عنصر من الجيش اللبناني والمواطنين اللبنانيين ومن مقاتلي الحزب… يومذاك رفع القائد شهيد فلسطين السيد حسن نصرالله شعار «لو كنت أعلم».. على كل حال تكبّد اللبنانيون خسائر بالأرواح: 6000 شهيد و15 مليار دولار خسائر مالية تسببت بها الحرب.
لم يكتفِ الحزب بهذه الخطيئة، بل ظلّ يمارس لعبة الحكم والسيطرة على السلطة.. إذ لم يكن بالإمكان أن يتم انتخاب رئيس جمهورية إلاّ بعد انتظار سنتين ونصف.. وهذا يحصل لأوّل مرة في تاريخ لبنان.. كما أنه لا يمكن تشكيل حكومة إلاّ بعد موافقة حلفاء الحزب وانتظار سنة ليختاروا الوزارات التي يريدونها. والمصيبة أن فشل الحزب وجماعته في الحكم لم تدفعهم للاعتذار من الشعب اللبناني، بل ظلّوا على تعنّتهم بمصادرة السلطة والتلاعب بالبلد.
على الصعيد الاقتصادي، لم يمر في تاريخ لبنان أزمات اقتصادية ومالية وفوضى في الحكم كما جرى في عهد «الحزب»، وليت الحزب قدّم اعتذاراً من اللبنانيين وعاد الى موقعه الطبيعي كمكوّن لبناني شريف.
وما إن تحرّر لبنان من الاحتلال الاسرائيلي حتى دخل في حرب أهل غزة إثر عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023، التي أعادت القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات بعد أن أصبحت نسياً منسياً.
في الشهر الأول، جاء المبعوث الأميركي آموس هوكشتين وعرض على لبنان أفضل عرض يمكن أن يحصل عليه وهو:
-1 انسحاب كامل من الأراضي اللبنانية التي احتلتها إسرائيل، ومن ضمنها 23 نقطة وليس 5 نقاط التي يتحدثون عنها اليوم.
-2 إعادة النظر باتفاق الحدود البحرية، والبحث جدّياً بالمطالب اللبنانية بمسافة 900 كيلومتر في البحر سرقتها إسرائيل، مقابل أن تتوقف المقاومة عن إطلاق صواريخ على إسرائيل.
بالمناسبة، فإنّ المقاومة حقّقت إنجازاً لكنه مبتوراً… فلماذا؟ المقاومة استطاعت أن تهجّر 80 ألف مواطن إسرائيلي من شمال فلسطين المحتلة، بينما إسرائيل هجّرت 500 ألف مواطن لبناني.
على كل حال، جاء المبعوث الاميركي آموس هوكشتين الى لبنان 11 مرّة كما ذكرنا، وفي كل مرّة كان يُقابَل بالرفض.
اليوم، استشهد السيّد حسن نصرالله من أجل فلسطين، واغتيل أكثر من 4000 من نخبة قادة المقاومة من الصف الأول.
ولم يكتفِ العدو الإسرائيلي بذلك، بل إنه يمارس يومياً عمليات اغتيال ليرهب بها كل اللبنانيين. وبات الجميع يتحدثون عن سلاح المقاومة تتمسّك به المقاومة، ويقول لهم: سلاحكم لم يعد يصلح، ولا يمكن أن تدافعوا به عن أنفسكم ولا عن قياداتكم… لذلك اتركوا الدولة اللبنانية تفاوض عنكم.. فهي الجهة الوحيدة الشرعية المؤهلة المسؤولة عن التحرير.
وسلاحكم عندما تحوّل من سلاح مقاومة الى سلاح تقليدي لا قيمة له، أسقطكم سقوطاً ذريعاً، فلعلكم تتعظون.