كتب عوني الكعكي:
أشرت في الحلقة الأولى أمس، الى أن التقارير التي حصلت عليها «الشرق» من مصادر صحفية أجنبية، لا نتبنّاها أبداً… لكننا آثرنا وضعها أمام القرّاء، حرصاً منّا على وضع القرّاء الأعزاء أمام معلومات تبثها صحف ووكالات إعلام أجنبية، ونترك للقرّاء الأعزاء تقدير أهمية هذه المعلومات والحكم على ما تسرّب منها الى العالم كله.
كذلك بدأنا أمس بمقال ذكرته صحيفة «التايمز» البريطانية في تقريرها ومفاده أنّ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تمكنت من التسلّل الى عمق البرنامجين النووي والصاروخي في إيران منذ عام 2010، وأنّ هذا التسلّل أو الخرق جاء ضمن عملية استمرت لسنوات، كشف العدو الإسرائيلي خلالها حجم البنية التحتية الإيرانية الواسعة لبناء أسلحة متطوّرة، وهي أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقاً.
ولا أخفي أنني، وبعد الاطلاع على تقرير «التايمز» المذكور، وقعت في حيرة أمام ما تسرّب من أخبار ومعلومات في هذا التقرير… وتساءلت: ما دامت القضية بهذا الشكل، فلماذا صمتت إسرائيل ولاذت بالسكوت التام، ولم تُقدم مثلاً على قصف هذه المنشآت العديدة التي ذكرت «التايمز»؟
ولكني، عندما اطلعت على تقرير ثانٍ كشفته أجهزة استخبارات الدولة العبرية، وهي تتعلّق بأحدث عملياتها العسكرية جرأة ضد إيران… وخُضْت في تفاصيل ما ذكره التقرير، الذي يشير صراحة وبوضوح الى أن الإعداد للضربة الإسرائيلية على المفاعل النووي الإيراني في فوردو ونطنز وأصفهان، بدأ الإعداد لها (أي الضربة) منذ عام 2023، عرفت أن العدو الإسرائيلي صمت على خرقه الأوّل، لأنّ هناك ما كان ينقصه من معلومات وتفاصيل كانت ضرورية جداً لنجاح الضربة وتحقيق أهدافها بدقة تامة.
وأشير هنا الى أنني لا أزال غير مُتبنّ لهذين التقريرين، ولا أريد الدعاية لدولة العدو، لكنني ما زلت مصرّاً على وضع هذه المعلومات أمم قرّائنا الأعزاء، وأترك لذوي الشأن الحكم على كذب أو صحّة هذين التقريرين.
وها نحن نتابع ما كشفته الدولة العبرية من معلومات حول القضية نفسها..
فقد كشفت إسرائيل من تفاصيل غير مسبوقة تتعلق بإحدى أكثر عملياتها العسكرية جرأة ضد إيران، والتي نفّذتها في 13 حزيران الماضي ضمن هجوم استراتيجي سمّي «عام كلافي» استهدف العمق الإيراني.
إلى ذلك، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الى أن الضربة جاءت نتيجة تحضيرات استخباراتية وعسكرية استمرت لأشهر، ووصفت العملية بأنها غيّرت قواعد الاشتباك مع طهران في ظل ما وصفه كاتس و «تطوّر غير مسبوق في قدرة سلاح الجو على تنفيذ عمليات مستقلة من دون دون غطاء أميركي مباشر».
بدأ الإعداد للعملية بحسب كاتس، في تشرين الثاني 2023، حيث خُطط لضربة أولية ضد منشأة فوردو النووية تحت مسمّى «عملية الأزرق والأبيض». لكن في تلك المرحلة لم تكن إسرائيل قد امتلكت بعد القدرة الكاملة على الوصول العميق والمتكرر الى قلب إيران… وهذا ما دفع الى تطوير ما أسماه كاتس بـ «دور البديل»، أي إمكانية تنفيذ هجمات استراتيجية من دون دعم أميركي مباشر، ما اعتبره نقطة تحوّل في المعادلة الإقليمية.
بالتزامن، عملت الاستخبارات الإسرائيلية على ثلاث خطط داعمة:
أولاً: عملية «نارينا» استهدفت العلماء النوويين الإيرانيين لتعطيل نظام القيادة والسيطرة (CCS) في إيران لإرباك التنسيق الدفاعي والردّ النووي.
في كانون الثاني 2024، خططت العملية الأوسع والأكثر جرأة وهي:
ثانياً: عملية «التورنادو» التي هدفت الى إحداث تأثير مدوٍ ومباغت في العاصمة طهران لشلّ البرنامج النووي مؤقتاً.
في 12 حزيران، انطلقت الضربة الإسرائيلية مستهدفة منشآت ومراكز حسّاسة في طهران. وأوضح كاتس أن بعض القادة الإيرانيين كانوا على علم باحتمال الضربة. والعملية هذه لم تركز على تدمير منشآة بعينها، بل اعتمدت على تأثير تراكمي يُضعف قدرات إيران الدفاعية.
وتعتبر إسرائيل أن «عام كلافي» نجحت في ضرب مراكز القرار الإيراني ومفاصل البرنامج النووي والعسكري.
وتأتي هذه العملية في سياق التصعيد الإقلميي المستمر بعد تقاطعات الحرب في غزة وتنامي التهديدات من اليمن ولبنان، وسط مساعٍ أميركية للعودة الى التهدئة عبر وساطات في أكثر من ملف.
إسرائيل تدّعي أنها نجحت في إزالة خطر المفاعل النووي في إيران، وأميركا ساعدتها في ذلك، وإيران تنفي «القضاء على كل مفاعل نووي في الجمهورية الإسلامية، ولكن استطاعت الضربة أن تؤخر عمليات التخصيب فقط».
فعلى أية حال… الأيام المقبلة كفيلة بكشف الزيف من الباطل وأنّ غداً لناظره قريب.