من بعبدا إلى عين التّينة: هناك خرق… وننتظر الجواب؟

بقلم ملاك عقيل

«أساس ميديا»

“التفاوض لم ينتهِ، ولا حرب إسرائيلية جديدة مقبلة على لبنان”. هذه هي خلاصة زيارة الموفد الأميركي الخاصّ إلى سوريا ولبنان، غير الحاسِمة لبيروت. قالها موفد الرئيس الأميركي توم بارّاك بشكل صريح، مع التلويح بورقة الوقت “الذي يداهمنا، وكلّ مرحلة تقتضي مهلة عمل مُحدّدة لإتمامها”. في بيروت، تكتّم رئاسي شديد حول “اليوم التالي” لزيارة بارّاك الثالثة، لكنّ ثمّة مناخات إيجابية رُصِدت في بعبدا وعين التينة، وللمفارقة حضرت أيضاً في مواقف بارّاك المُعلنة.  

قبل مغادرته لبنان أمس أجاب بارّاك عن “الخطوة التالية” قائلاً: “علينا أن نفهم أنّ اتّفاق 27 تشرين الثاني حول وقف الأعمال العدائية، رافقه سوء فهم في المفاوضات التي حصلت قبل هذا الاتّفاق، خاصّة بين إسرائيل والحكومة اللبنانية. نحن هنا لمساعدتكم، وقمنا بفَرضِنا our homework، والحكومة اللبنانية قامت أيضاً بـ”فَرضِها”، وكذلك الإسرائيليون. أستطيع أن أقول الآن إنّ هناك تحسّناً بالتوصّل إلى منهجية للتخفيف من التشنّجات التي تحيط بـ”الحزب” والحكومة وإسرائيل. وإذا حصل ذلك فعلاً فستكون هناك خطوة رائعة (في ملفّ تسليم السلاح) تُضاف إلى الإصلاحات الأخرى. لذلك هدفي أن أنزع كلّ العقبات أمام تطبيق وقف إطلاق النار”.

خرق رئاسيّ؟

يقول مصدر سياسي مطّلع على مسار التفاوض اللبناني- الأميركي في ملفّ السلاح لـ”أساس” إنّ “زيارة بارّاك أحدثت خرقاً في مسار التفاوض بدأت مؤشّراته الملموسة بعد زيارته بعبدا، ولقائه رئيس الجمهورية، واكتمل المشهد في عين التينة، وذلك نتيجة تحرّك مباشر قام به رئيس الجمهورية باتّجاه الرئيس نبيه برّي و”الحزب”، وجهات خارجية معنيّة بالموضوع”.

لكن ما النتيجة لهذا الخرق؟ وماذا عن “اليوم التالي”؟

يجيب المصدر: “سيعود توم بارّاك مجدّداً إلى لبنان، ويُفترض أن يَحمل جواباً على المقاربة اللبنانية الرئاسية، مع رهان على الموافقة عليها”. هذا ما حَسَمه بارّاك نفسه من خلال التأكيد من بكركي، إثر زيارته البطريرك الماروني بشارة الراعي، على عودته إلى لبنان “كلّما تطلّبت الحاجة، والحوار سيستمرّ مع مَن ليسوا إلى الطاولة”.

لا تفاصيل أكثر من ذلك عن المرحلة التي ستلي مغادرة بارّاك بيروت، في الوقت الذي عكست فيه جهات سياسية مناخاً مضادّاً مؤكّدة أنّ “واشنطن هي التي تنتظر من لبنان ردّاً حاسماً ونهائيّاً في شأن “جدولة” نزع السلاح، على مراحل، وبالتواريخ”.

جعجع غاضب

الدليل على ذلك، “نوبة غضب” رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع على الرؤساء الثلاثة، إذ اعتبر أنّ الردّ اللبناني “كان متماهياً تماماً، باستثناء بعض العبارات التجميليّة، مع ما كان يريده “الحزب”، متسائلاً: “بأيّ منطق وحقّ يأتي جواب السلطة اللبنانية على المقترحات الأميركية بالشكل الذي أتى به؟”.

طالب بارّاك من بكركي “الحكومة بأن تقرّر ما يجب فعله”، مؤكداً أنّ “الجميع يحاول كلّ ما بإمكانه لتسوية الأمور، إلّا أنّها معقّدة بالنسبة للقادة اللبنانيين، كما بالنسبة للجميع. أعمل على المعالجة منذ أربعة أسابيع، آمل أن يستمرّ التواصل، أتفهّم الصعوبات ويجب التحلّي بالصبر”.المفارقة أنّ ثمّة انطباعاً لدى عدد كبير من السياسيّين بأنّ “بارّاك يرضي بكلامه الجميع، ويُزعّل الجميع، حيث لديه قدرة فائقة على اللعب على الكلام، وأحياناً كثيرة قول ما تعجز الترجمة عن “ترجمته” إلى فكرة واضحة. لكن يبقى الأهمّ، ليس ما يقوله توم بارّاك، بل ما يحصل خلف الكواليس لجهة المشهد العامّ الذي سترسو عليه المنطقة. أمّا أقصى ما يمكن أن يتعرّض له لبنان فهو استمرار إسرائيل في فعل ما تفعله أصلاً، وتُتقِنه ويخدم مصلحتها، منذ توقيع اتّفاق وفق إطلاق النار، عبر محاولة “نزع” سلاح “الحزب”، على طريقتها، والقضاء على ترسانته العسكرية، بإشراف أميركي، مقابل ضغط واشنطن لتجفيف المنابع الماليّة لـ”الحزب”.

دائرة الرّدود

بمطلق الأحوال، لا يزال الداخل اللبناني داخل دائرة “الردود المتبادلة”، من دون تحقيق أيّ خطوة تكسر حالة المراوحة التي تخلّلتها تأكيدات أميركية واضحة شملت أمرين أساسيَّين:

– لا اتّفاق جديداً على ركام اتّفاق 27 تشرين الثاني. هذا ما حاول بارّاك تأكيده للجانب اللبناني مقابل تركيزه الواضح على “ترميم” اتّفاق وقف إطلاق النار، عبر التقيّد بآليّته التنفيذية بإجراءات مُلزِمة و”مُجدوَلة”، وقال الموفد الأميركي نفسه إنّ الاتّفاق صِيغ بذهنيّة “غياب الثقة بين أطرافه، ومن دون توافر أدوات نجاحه”.

في حديث تلفزيوني سابق وصّف بارّاك المسألة على طريقته: “هذا الاتّفاق لم ينجح. دعوني كميكانيكي أساعدكم على تصحيح المسائل التي نقترحها، ثمّ سنستخدم نفوذنا على كلّ الأفرقاء، الحكومة وإسرائيل”. هنا تماماً، يتحدّث مطّلعون عن خرق حصل على هذا المستوى، ساهم فيه الرئيس برّي بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، لكن لم تتّضح معالمه بعد، ولا التفاعل الأميركي- الإسرائيلي معه.

– بعكس الموقف الإسرائيلي يبدي المسؤولون الأميركيون ارتياحاً للعمل العسكري المُنجز جنوب الليطاني، وما يقوم به الجيش اللبناني، وتحديداً لجهة جعل المنطقة منزوعة السلاح. وهذا ما تسنّى لبارّاك أن يسمعه من ضبّاط أميركيين داخل لجنة “الميكانيزم”. بالمحصّلة، باتت واشنطن تسلّم بأنّ جنوب الليطاني منطقة  يصعب جدّاً على “الحزب”، بوجود الجيش و”اليونيفيل” ولجنة المراقبة، تنفيذ أيّ عمل عسكري فيها.

الوجه الآخر لهذا الواقع هو تحوّل عشرات آلاف الجنوبيين إلى أسرى “تسوية”، لا أحد يعلم زَمانها، يُفترض أن تعيدهم، بشكل دائم ونهائي، إلى قراهم وضيعهم، بالتزامن مع بدء مشروع إعادة الإعمار. لكنّ أوساطاً سياسية تؤكد لـ”أساس” أنّ “العودة الآمنة قد تطول لسنوات لأنّها باتت مرتبطة بشكل وثيق بخريطة التسويات في المنطقة، المرتبطة بدورها بالهدف الأميركي الأول: “إنجاز السلام والاستقرار في كامل المنطقة”.

ملاك عقيل