في بلدٍ يعلو فيه الصراخ السياسي فوق كل صوت آخر، جاء صوت مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان من دارة الأستاذ بسام عفيفي، رئيس تحرير مجلة وموقع «الهديل»، هادئاً في نبرته، عميقاً في رسالته، حاسماً في رؤيته. ليلة حفل العشاء الذي جمع شخصيات سياسية وأمنية وقضائية ورجال أعمال، من بينهم المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، لم تكن مجرّد مناسبة بروتوكولية، بل لحظة وطنية صادقة، جرى خلالها طرح المسكوت عنه، وسُمع فيها ما يجب أن يُقال في العلن لا في الكواليس.
اللقاء، الذي تجاوز الطابع البروتوكولي، تحوّل إلى مساحة حوار صريح حول واقع لبنان، والتحديات التي تواجه مؤسساته، وسبل الخروج من الانهيار المتعدد الوجوه. ومن على منبر الدار، أطلق المفتي دريان مواقف لافتة شكّلت خريطة طريق ثلاثية الأبعاد: أمن، وعدالة، وعروبة، تتقاطع في جوهرها مع طموح اللبنانيين في دولة قانون حقيقية. استهل المفتي كلمته بالإشادة بدور الأجهزة الأمنية، مشدداً على أن هذه المؤسسات – وفي طليعتها الأمن العام – هي صمام أمان لبنان، وأنه على يقين بقدرتها وحرصها على تحمّل المسؤولية في أصعب الظروف. وأضاف: «الأمن هو نعمة من نعم الله الكبرى، وقد ذكرنا بها القرآن الكريم حين قال عن قريش: ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، ونحن أحوج ما نكون اليوم لحماية هذه النعمة». وتوقف المفتي عند تجربة اللواء شقير في قيادة الأمن العام، واصفاً إياه بأنه «رجل ميدان يعرف كيف يُنجز، ويملك رؤية واضحة وإرادة لا تلين». أما في الشق القضائي، شدد المفتي دريان على ضرورة أن «تُستعاد هيبة القضاء ويُفعّل دوره»، داعياً في الوقت ذاته إلى «عدالة تطال الجميع من دون استثناء أو استنسابية». وأردف قائلاً: «الفساد لا دين له ولا مذهب، وكل من أساء إلى المال العام أو قصّر في حق الوطن يجب أن يُحاسَب، ضمن محاكمة عادلة، تحفظ كرامة المتهم وتعطيه حق الدفاع عن نفسه». وأضاف: «نريد قضاءً يُعيد الثقة بالعدالة، ويكون أساسًا في بناء الدولة الحديثة التي نطمح إليها جميعًا». أما المحور الثالث الذي توقف عنده المفتي دريان هو الإعلام، حيث وصف إياه بـ «السلطة الأخلاقية التي تنقل صوت الناس وهمومهم».