ياغي لـ «الشرق» تقلبات أسعار النفط العالمية تأثيرها على لبنان لا يزال محدوداً ولبنان في الاتفاق البحري مع قبرص «لا خاسر ولا رابح»

هل تهتز أسعار النفط في لبنان؟

كتبت ريتا شمعون
إهتزت بورصة اسعار النفط في السواق العالمية بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عقوبات صارمة على الشركات النفطية الروسية Rosneft) و (Lukoil اللتين يمثل إنتاجهما معا أكثر من 5% من إنتاج النفط العالمي. وتسبب إعلان ترامب في قفزة 7% لأسعار النفط، خلال الأسبوعين الماضيين مع تداول العقود الآجلة لخام برنت عن 65 دولار للبرميل وعلى أثره ارتفع مؤشر أسعار المحروقات في حوض البحر الأبيض المتوسط، 28,25 دولار لطن البنزين و60,25 دولار لطن الديزل، بالتالي تبخر الانخفاض الذي كانت ستشهده أسعار المحروقات في الاسواق المحلية في لبنان، وتحوّل الى ارتفاع بدأنا نلاحظه عند صدور كل جدول للأسعار.
والسؤال هل سيتأثر لبنان بتقلبات الأسعار، خصوصا ان لبنان الذي يعتمد بشكل أساسي على استيراد النفط لتلبيىة إحتياجاته من النفط،لا يزال حلم التنقيب عن النفط قائما لكنه يواجه تحديات كبيرة، على الرغم من ان هناك حاجة الى المزيد من العمل لحل المشكلات السياسية والتقنية العالقة على الرغم من مصادقة الحكومة اللبنانية مؤخرا على إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص ، استكمالاَ للمسار الدبلوماسي الطويل الذي بدأ عام 2007 حيث من الواضح ان لبنان يتواصل مع الجانب القبرصي لتحديد تاريخ توقيع الاتفاق . في السياق، يؤكد الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي في حديث خاص لجريدة» الشرق» أن مسألة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص كانت حافلة بالأخطاء، التي ارتكبها لبنان تاريخيا، والتي افضت الى الواقع الحالي، لافتا الى ان مفاوضات لبنان مع الجانب القبرصي في شأن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة قد بدأت منذ العام 2002 لكن من الناحية الفعلية حصلت جولة التفاوض الحاسمة بين الطرفين في العام 2006 وهو ما أفضى الى إنجاز مسودة الاتفاق في العام اللاحق 2007. وقال ياغي، قاد التفاوض آنذاك من جهة لبنان وفد تقني من وزارة الأشغال والخارجية، من دون أن يمتلك لبنان في تلك المرحلة أية خبرة في مجال التفاوض على المناطق الاقتصادية الخالصة، ولم يدعّم الوفد بدراسات قانونية كافية، أما الأهم فهو أن الوفد اللبناني المفاوض ورّط لبنان مع اسرائيل، كيف؟ يجيب ياغي: بالعودة الى العام 2007 يومها قررت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وقد وافق لبنان على ان تكون النقطة 1 هي النقطة الثلاثية بين لبنان وقبرص واسرائيل، وعلى هذا الأساس رسمت اسرائيل حدودها البحرية مع لبنان ، تلك النقطة أدّت في ما بعد الى خلافات وتوترات مع اسرائيل من جراء خطأ ارتكبه الوفد المفاوض، إلا ان لبنان نجح في العام 2022 في التفاهم غير المباشر مع اسرائيل برعاية أميركية ممثلة بوسيطها آموس هوكشتاين باستعادة النقطة 23 كنقطة فاصلة. وقد نصّت الاتفاقية ايضا على أنه لا يمكن لأي من البلدين توقيع إتفاق مع طرف ثالث من دون التوافق أو التفاهم مع دول أخرى، وعليه أنجز الترسيم مع قبرص قبل التفاهم مع سوريا مستطردا بقوله: أعتقد أن الاتفاق مع قبرص اليوم قد يؤدي الى تسريع مسار الترسيم مع دمشق ، حيث لا ترسيم معها حتى الآن ، لكن أيضا لا نزاع معها، موضحا أن الحدود البحرية التي حدّدتها الدولة السورية وخصوصا المتعلقة ببلوك رقم 1 وبلوك رقم 2 من الجهة اللبنانية أي ما يقارب 750كلم مربعا داخل الحدود اللبنانية، وهذا يدلّ ان هناك مشكلة فعلية مع الجانب السوري مضيفا: على الحكومة اللبنانية استكمال التفاوض مع كلّ من قبرص وسوريا لمتابعة الترسيم البحري للحفاظ على حقنا. لكن بمعزل عن المعترضين على الاتفاق الذين تتراوح تقديراتهم لخسارة لبنان في هذا الترسيم بين 2,500 و5,000 كيلو متر مربع، يرى أن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، باكتفاء لبنان بالمساحات التي منحتها الاتفاقية السابقة الموقّعة بين البلدين في العام 2007 التي أنجز على اساسها التفاوض مؤخراً، « إتفاقاً جيداً» ولبنان في هذا الاتفاق « لا خاسر ولا رابح» مشيرا الى ان إبرام الاتفاق يصبّ في مصلحة لبنان، حيث إن ما يشاع عن خسارة 5,000 كلم مربع لا أساس له من الصحة، ويعتقد أن الدراسات تشير الى خسارة مئات الأمتار. وينتقل المهندس ياغي الى موضوع العقوبات المفروضة على دول مصدرة للنفط مثل روسيا وايران التي قد تدفع أسعار النفط للإرتفاع، إذ يعتقد أن هذا التأثير لا يزال محدوداُ في المرحلة الراهنة. وفي المعلومات، أن العقوبات الأميركية الجديدة دفعت شركات النفط الحكومية الصينية الكبرى الى تعليق مشترياتها من النفط الروسي على المدى القصير، وأيضا شركات التكرير في الهند، أكبر مشتر للنفط الروسي المنقول بحراً، ستخفض واردتها من الخام الروسي بشكل حادّ، حيث تتعرضان للضغط من واشنطن، في مثل هذه الفترة الزمنية التي أصبحت الولايات المتحدة قوة عالمية مهيمنة وهو ما نشهده حاليا في عالم اليوم ، لا بدّ أن تعيد تلك الشركات تقييم نهجها تجاه النفط الروسي بعدم تقديم طلبيات جديدة لشراء نفط من روسيا إمتثالاً للعقوبات الأميركية الجديدة، على الأقل في المدى القريب.
وتشتري الصين بعض النفط الروسي مباشرة عبر خط أنابيب بموجب إتفاقيات توريد طويلة الأجل، باسعار أقل من السوق الدولية، وفق ياغي ، يصعب تتبع كمياتها مقارنة بالشحنات المنقولة بحراً، لافتا الى أن أي انخفاض كبير في الصادرات والإيرادات سيؤثر سلبا على موارد موسكو المالية، كما انه سيدخل النفط الروسي في « عنق الزجاجة « ذلك، بعد ان حققت روسيا بعض النجاح في الالتفاف على سقف الاسعار الذي فرضته مجموعة السبع سايقا، والذي صمم للحفاظ على تواجد نفط موسكو في السوق.
الآن ماذا تعني العقوبات الأميركية بالنسبة لسعر النفط؟
يقول ياغي، فإن القفزة الأخيرة في الأسعار تثير تساؤلات حول الاتجاهات المستقبلية المتوقعة لأسعار النفط، معتبرا أن قفزة الأسعار لأكثر من 4% بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات على روسيا هي مؤقتة، مشيرا الى ان التوقف عن شراء النفط الروسي قد يؤدي الى نقص عالمي، وقد تؤدي العقوبات أيضا الى تقليل صادرات النفط الروسي، مما قد يسبب إرتفاعا في الأسعار. وتوقع ياغي، أن تلجأ الصين والهند الى إمدادات اخرى، مما سيرفع أسعار النفط غير الخاضع للعقوبات من الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية، لافتا الى أن العقوبات الجديدة قد تجبر روسيا على تخفيض أسعار نفطها في الأسواق العالمية لتعويض المخاطر التي قد تنطوي عليها العقوبات الثانوية الأميركية ، لكن في المقابل قد يكون التأثير أقل حدة إذا ارتفعت أسعار النفط العالمية. وأضاف ياغي، في مثل هذه الحالة، التي تشهد فيها أسواق النفط العالمية تقلبات حادّة، فإن الدول الأكثر تأثراً بأسعار الطاقة هي تلك الواقعة في أوروبا الشرقية وجنوب آسيا، الهند والصين، كوريا الجنوبية ، ولبنان الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الواردات الأجنبية لتلبية احتياجاته من الطاقة، فيستورد المشتقات النفطية مثل الديزل والبنزين من شركات وساطة بالاضافة الى وجود تساؤلات حول مصادر بعض الشحنات وأسعارها، فمن الطبيعي ان يتاثر لبنان بتقلبات أسعار النفط، وهذه التقلبات تؤثر بشكل مباشر على تكاليف الطاقة، وتنعكس على اسعار السلع والخدمات المختلفة.ويختم قائلاً: هذا الواقع هو جزء من حرب اقتصادية عالمية.