توماس فريدمان: ما الذي تغيّر بين بايدن وشومر ونتنياهو؟

66

إيمان شمص

«أساس ميديا»

ما الذي حدث في العلاقة بين الولايات المتحدة ونتنياهو. لدرجة دفع شخص مخلص لرفاهية إسرائيل مثل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى دعوة الإسرائيليين إلى إجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن. وذلك من أجل التخلّص من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة. وإلقاء خطاب، ذكيّ وحسّاس، وصفه الرئيس جو بايدن نفسه بأنّه “خطاب جيّد” يلقي الضوء على المخاوف المشتركة بين “العديد من الأميركيين”؟

هذا السؤال حذّر الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان. في مقاله الأسبوعي في صحيفة “نيويورك تايمز”. من أنّ تجاهل الإسرائيليين وأصدقاء إسرائيل له “يعرّضهم للخطر”. وذلك لأنّ الإجابة عليه. كما يرى فريدمان. تتعلّق بتحوّل عميق في السياسة الأميركية والجغرافيا السياسية الأميركية بشأن الشرق الأوسط كشفت عنه حرب غزة. وجعل رفض نتنياهو صياغة رؤية لعلاقات إسرائيلية فلسطينية مبنيّة على أساس الدولتين يشكّل تهديداً لأهداف السياسة الخارجية لبايدن وفرص إعادة انتخابه معاً.

فلماذا أصبح نتنياهو يمثّل مشكلة كبيرة للولايات المتحدة ولبايدن على المستويين الجيوسياسي والسياسي؟

“الإجابة المختصرة” التي يقدّمها توماس فريدمان هي أنّ “استراتيجية أميركا بأكملها في الشرق الأوسط في الوقت الحالي. كما مصالح إسرائيل الطويلة المدى. تعتمد على الشراكة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية غير التابعة لحماس المتمركزة في رام الله في الضفة الغربية. وعلى احتياجات التنمية للفلسطينيين على المدى الطويل. وفي نهاية المطاف، على حلّ الدولتين. وقد استبعد نتنياهو ذلك كما استبعد أيّ خطة أخرى مكتملة لصباح اليوم التالي في غزة”.

لكن لماذا تحتاج إسرائيل والولايات المتحدة إلى شريك فلسطيني ورؤية لحلّ الدولتين؟

يرى توماس فريدمان ستّة أسباب لذلك تتعلّق جميعها بالتحدّي الذي يواجهه بايدن ومصيره السياسي:

1- لم يضطرّ أيّ جيش على الإطلاق إلى محاربة عدوّ في مثل هذه البيئة الحضرية الكثيفة حيث يمتدّ ما بين 350 إلى 450 كيلومتراً من الأنفاق الجوفية من أحد طرفَي منطقة الحرب إلى الطرف الآخر. مثل هذه الحرب ستتسبّب دائماً في وقوع العديد من الضحايا بين المدنيين الأبرياء، حتى مع أكثر الجيوش حذراً، فكيف بجيش غاضب من قتل واختطاف العديد من الأطفال والآباء والأجداد. وبالنسبة للمدنيين في غزة الذين نجوا، لا شيء يمكن أن يعوّض عن فقدان أطفالهم وآبائهم وأجدادهم. لكنّ رغبة إسرائيل المعلنة في إقامة علاقة جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية مع فلسطينيين لا تقودهم حماس من شأنها على الأقلّ أن تمنح جميع الأطراف بعض الأمل في عدم حدوث جولة من سفك الدماء مثل هذه مرّة أخرى.

2- هذه هي أوّل حرب إسرائيلية فلسطينية كبرى تدور رحاها في عصر التيك توك. تمّ تصميم TikTok لحرب مثل هذه. مقاطع فيديو مدّتها 15 ثانية لأسوأ معاناة إنسانية، يتمّ بثّها باستمرار. وفي مواجهة هذا التسونامي الإعلامي، كان على إسرائيل ارسال رسالة واضحة بالالتزام بعملية السلام بعد الحرب، والتوجّه نحو حلّ الدولتين. لكنّها لم تفعل. ونتيجة لذلك، فإنّ إسرائيل لا تنفّر العديد من الأميركيين العرب والمسلمين فحسب. لكنّها تخاطر أيضاً بفقدان دعم جيل كامل من الشباب من جميع أنحاء العالم (بما في ذلك جزء من قاعدة الحزب الديمقراطي.)

3- هذه ليست حرب “انتقامية”، مثل كلّ الحروب السابقة بين حماس وإسرائيل. حيث عاقبت إسرائيل حماس لإطلاقها الصواريخ على البلاد، ثمّ تركتها في السلطة بمجرّد انتهاء القتال. هذه الحرب تهدف إلى تدمير حماس إلى الأبد. لذلك كان على إسرائيل منذ البداية وضع تصوّر بديل لكيفية حكم غزة بشكل شرعي من فلسطينيين لا ينتمون لحماس. غير أنّ أيّاً منهم لن يتقدّم لهذه المهمة دون عملية شرعية لحلّ الدولتين على الأقلّ.

4- كان هجوم حماس يهدف إلى منع إسرائيل من الاندماج أكثر في العالم العربي بفضل اتفاقيات أبراهام وعملية التطبيع الناشئة مع السعودية. وبالتالي كان لا بدّ لإسرائيل من تصميم يحافظ على هذه العلاقات الحيويّة. وهو أمر غير ممكن إلا إذا حاربت إسرائيل حماس في غزة وسعت في الوقت نفسه بنشاط إلى إقامة دولتين.

5- كان لهذه الحرب عنصر إقليمي رئيسي. وسرعان ما وجدت إسرائيل نفسها تقاتل حماس في غزة ووكلاء إيران في لبنان واليمن وسوريا والعراق. كانت الطريقة الوحيدة لإسرائيل لبناء تحالف إقليمي ضدّ إيران، وتمكين بايدن من المساعدة في تشكيله، هي السعي إلى متابعة عملية سلام مع الفلسطينيين من غير حماس. فبدون هذا التحالف فإنّ استراتيجية بايدن الكبرى المتمثّلة في بناء تحالف ضدّ إيران وروسيا (والصين). يمتدّ من الهند عبر شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا حتى الاتحاد الأوروبي/حلف شمال الأطلسي. ستواجه وضعاً حرجاً. فلا أحد يرغب في الانضمام إلى حماية إسرائيل التي يهيمن على حكومتها متطرّفون يريدون احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل دائم.

6- النقطة الأخيرة والجيّدة بحسب العالم السياسي غوتام موكوندا، مؤلّف كتاب “اختيار الرؤساء”: “أدّى صعود اليسار التقدّمي وتحالف نتنياهو الضمنيّ مع ترامب إلى إضعاف الدعم لإسرائيل بين الديمقراطيين. إذا خاضت إسرائيل حرباً في غزة أسفرت عن العديد من الضحايا المدنيين. لكنّها لا تقدّم أيّ أمل سياسي في مستقبل أفضل لكلّ من الإسرائيليين والفلسطينيين. فإنّها بمرور الوقت تحجب ذكريات الناس عن أهوال 7 أكتوبر (تشرين الأول) ودعمهم لإسرائيل في أعقابها. وهو ما يصعّب بشكل متزايد حتى على الشخصيات الأميركية الأكثر تأييداً لإسرائيل. مثل شومر. الاستمرار في دعم الحرب في مواجهة التكاليف الدولية والمحلّية الهائلة”.

لكلّ هذه الأسباب، يعتقد توماس فريدمان، أنّ لإسرائيل مصلحة قصوى في السعي إلى تحقيق أفق الدولتين. كما أنّ للسلطة الفلسطينية المصلحة في توحيد نفسها لتكون الحكومة التي يحتاج إليها الفلسطينيون والإسرائيليون.

يرجّح فريدمان أن تكون استراتيجية بايدن اليوم الضغط بأقصى قدر ممكن على جميع الأطراف للتوصّل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن. على أن تتمّ الاستفادة من وقف إطلاق النار لتقديم مبادرة سلام جديدة بين الولايات المتحدة والعرب والاتحاد الأوروبي. تضمن للإسرائيليين تطبيعاً واسع النطاق وعميقاً مع الدول العربية، بما في ذلك السعودية، مع ضمانات أمنية، أكثر من أي وقت مضى، ملازمة لحل الدولتين.

يعتبر أنّ التوصّل إلى ذلك سيمكّن بايدن من تحديد إطار الانتخابات الإسرائيلية المقبلة: “خطة بايدن ضدّ “لا خطة” نتنياهو”، بدلاً من بايدن شخصياً ضدّ نتنياهو شخصياً. ويدع نتنياهو يختار بين أن يتذكره الناس كرئيس الوزراء الذي ترأس انتخابات 7 أكتوبر أو رئيس الوزراء الذي فتح الطريق إلى السلام العربي – الإسرائيلي.

يختم توماس فريدمان بالقول: “عقارب الساعة تتحرّك.. هناك مليون جزء متحرّك، كلّ منها يمكن أن يفشل. لهذا السبب لم يكن خطاب شومر مجرّد تأمّلات شخصية. بل كان انعكاساً عميقاً للمصالح الأميركية الفضلى في هذا الوقت كما لمصالح الإسرائيليين والفلسطينيين أيضاً”.

إيمان شمص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.