حديث الجمعة _ أخلاق رمضان يجب أن تستمر

22

المهندس بسام برغوت

رمضان مدرسة سنوية تفتح أبوابها ثلاثين يومًا؛ ليتعلم فيها المؤمن مناهج الصبر، والإخلاص، والمراقبة، والتعاون، والإيثار، وغيرها من معالي الأخلاق، التي تصحبه في مسيرة العام، ولهذا احتفى به الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته، وأنزلوه منزلته، باعتباره شهر الصبر والمواساة، فهل يدخل المسلمون جميعًا هذه المدرسة الرمضانية؟

تعوّد كثير من الناس على أداء العبادات والطاعات وأعمال الخير بإخلاص طوال شهر رمضان، فإذا ما انقضى عادوا إلى حياتهم الطبيعية التي يعيشونها طوال شهور السنة بما فيها من سلوكيات خاطئة، وتجاوزات تبتعد بهم على أخلاقيات دينهم، بل إن البعض يفعل في أيام العيد فقط ما يهدر مكتسباته من رمضان من هداية وطاعة.. فقد انتهى بالنسبة لهم موسم الطاعة والعبادة والتسابق في عمل الخير.

يعتبر هذا السلوك خطأ كبير ، فالعطاء الروحي والأخلاقي لشهر رمضان يرسم للإنسان طريق الهداية والاستقامة لتظل مكارم الأخلاق ملازمة له طوال أيام وشهور السنة، وموجهة لحياته الخاصة والعامة في كل مكان يذهب إليه أو يوجد فيه.. وضابطة للسلوك ومهذبة للغرائز والانفعالات في كل الأوقات، فكل من عاش رمضان في عبادة وتقوى وورع، وأخلص في عباداته وعطائه الخيري والإنساني من الطبيعي أن تستمر معه هذه الحالة الإيمانية بعد رمضان.. أما من تعامل مع رمضان على أنه محطة طارئة في حياته، وأن صلاته وصومه وزكاته مجرد طقوس دينية لا تأثير لها على مسار حياته وحركته في المجتمع، فسوف يهدر بسهولة ما اكتسبه من أجر وثواب وفضائل خلال الشهر الكريم.

كما أن الجميع يجب ان يكونوا على علم بإن عطاء شهر رمضان المبارك ليس موسمياً أو مؤقتاً، بل هو عطاء دائم، يصحح مسيرة الإنسان ويرسم له طريق الهداية والاستقامة، وكل إنسان عاقل يدرك أنه من الخطأ أن يفرط في مكتسبات هذا الشهر الكريم الذى تعددت فضائله، وتنوعت مكاسبه، فكل من صام رمضان وأدى ما عليه من واجبات دينية وإنسانية وأخلص في عبادته جدير بأن يكون من الذين وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغفران ذنوبهم وتخليصهم من آثامهم حيث يقول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الشريف: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “.

فالأصل في رمضان أن يؤثر في أخلاق الناس، وينعكس على التزامهم بالصيام، والقيام، والعبادات، والمعاملات المختلفة، وقد حدث فعلاً تحسن كبير في الآونة الأخيرة، ونذكر أنه في أيام جمال عبد الناصر كان الصيام موضة قديمة – مثل الحجاب – حتى أن مبنى التليفزيون كله كان فيه شخص واحد صائم، إلا أن هذا لا يمنع أن هناك مسلمين لا يفهمون من الصيام، إلا الامتناع عن الأكل والشرب، أما الصيام بمعناه الواسع، الذي يشمل الامتناع عن آفات الجوارح والمفاسد الأخلاقية، فقليل من المسلمين من يلتزم به.

إن آفة عدد من الصائمين أنهم لا يدركون هذه الأسرار، أو قد تغيب عنهم أشياء كثيرة من حكم الصيام، فإذا كانت التقوى هي الحكمة الجامعة النافعة من الصيام، فهناك حكم وأسرار أخرى للصيام في بناء الأخلاق الفاضلة لمن تأمل وحفظ الصيام، ولو قال قائل: إن للصيام أثرًا عظيمًا في الإخلاص والصبر، والخوف والرجاء، والبر والصلة، والذكر والمراقبة، والحياء والحلم، والتوبة والحرية، وتهذيب الغرائز، والجود والجهاد، وغيرها من الفضائل لما كان مبالغًا.

ختاماً ،

أكد علماء الدين أهمية التمسك بروحانيات وأخلاق شهر رمضان طوال العام والمداومة على العبادات والتحلي بالأخلاق الفاضلة وعدم ظلم الناس وعدم الغش في المعاملة وحفظ اللسان عن الوقوع في أعراض الناس حتى يكون المسلم موصولا على الدوام.

كما ان على شبابنا أن يتجنبوا السلوكيات المعيبة وحياة المعصية والرزيلة، بعد رمضان، فقد أنعم الله على الإنسان بالعقل الذي يدرك به ما ينفعه وما يضره، فعليه أن يكون أميناً مع خالقه قبل أن يكون أميناً مع نفسه، وأن يكون لديه شعور بالمسؤولية فلا يصدر عنه من قول أو فعل إلا كل ما هو طيب، فالكلمة الطيبة يكسب بها الإنسان أجراً من الله تعالى إذا كانت صادقة نافعة مفيدة للآخرين، كما أن الكلمة الخبيثة التي تدعو إلى الباطل وتؤدي إلى الشر والفساد يعاقب عليها كما قال تعالى في محكم كتابه : «ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء».

المهندس بسام برغوت

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.