حديث رمضان – رمضان: شهر الرحمة والفضائل

47

بقلم المفتي خالد الصلح

رمضان، شهر عظيم، يأتينا كل عام، محملاً بالبركات والخيرات، يملأ قلوبنا بالسعادة والتقوى، ويعلمنا الصبر والتحمل. إنه شهر التغيير والتجديد، حيث يهب لنا الفرصة للتوبة والاستغفار، ولإصلاح العلاقات وتقويم النفوس.

من حكمة الله سبحانه، أن فاضل بين خلقه زماناً ومكاناً، ففضّل بعض الأمكنة على بعض، وفضّل بعض الأزمنة على بعض، ففضّل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة:185. يهدينا إلى الطريق الصحيح ويبعدنا عن الضلالات.

إننا الآن في شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى ﷺ وأمر الناس بصيامه.

هو شهر الصيام، الذي يعلمنا التقدير للنعمة والتحكم في الشهوات، نشعر بأهلنا في غزة الذين يُقاومون الجوع منذ ما يزيد عن خمسة أشهر وإخواننا في سوريا وآخرون في إفريقيا، لنتعظ بنعمٍ جليلةٍ منَّ الله علينا بها.

في رمضان نتعلم العديد من الدروس الحياتية، فهو شهر التسامح والتعاطف، حيث يجتمع الناس على الإفطار والسحور، يتبادلون الضحكات والدعوات، يغفرون لبعضهم ويتصافحون بالمحبة والود. إنه شهر التضامن والتكافل، حيث يتضافر الجميع لمساعدة الفقراء والمحتاجين، ولتخفيف معاناتهم وإسعاد قلوبهم. ويا حبذا لو أن هذا الشعور يُرافق الجميع دائمًا ونكون ربانيين وليس رمضانيين.

في هذا الشهر المبارك يتعرّض المسلم لرحمات الله عزّ وجل في رمضان، وينال المغفرة والتّوبة، وتُكفّر سيّئاته بصيام شهر رمضان، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ).

في هذا الشهر المبارك تفتح أبواب الجنان وخاصّةً باب الرّيان للصّائم، وتُغلق أبواب النّيران، وتُصفّد الشّياطين في قاع البحار، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (إذا جاء رمضانُ فُتِحَتْ أبوابُ الجنةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ، وصُفِّدَتْ الشياطينُ).

إنه شهر العتق من النّيران: يعتق الله عزّ وجل في كل ليلة حين وقت الإفطار آلاف المسلمين المُوحّدين، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر وللهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ)

هو شهر العمل الصّالح ومُضاعفة الأجور: يُبارك ويُضاعف الله عزّ وجل لنا الثّواب والأجور على الأعمال الصّادقة في رمضان، ويُستحبّ التّنافس على الأعمال الصّالحة والقيام بمُختلف أعمال الخير ليكسب المسلم جزيل الثّواب.

شهر الدّعاء: يستجيب الله عزّ وجل دعاء الصّائم، وله كل يوم دعوة مُستجابة عند إفطاره، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ، ودعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المسافِرِ).

إنّ العمرة فيه تُعادل حجة: يُضاعف الله عزّ وجل أجور الأعمال الصّالحة في رمضان، فأداء العمرة في رمضان تُعادل ثواب حجة مع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كم ورد في الحديث: (عمرةٌ في رمضانَ تعدِلُ حَجَّةً)

قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَآثِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صِيَامِكَ سَوَاءً»

فينبغي للصائم الإكثار من الصلوات والصدقات والذكر والاستغفار، وسائر أنواع القربات في الليل والنار، اغتنامًا للزمان ورغبة في مضاعفة الحسنات، ومرضاة فاطر الأرض والسموات. الحذر من كل ما ينقص الصوم، ويضعف الأجر، ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي، كالتهاون بالصلاة والبخل بالزكاة وأكل الربا وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، والدعاوي الباطلة، والأيمان الكاذبة، وتبرج النساء، وعدم تسترهن من الرجال، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله ﷺ. وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريمًا، وأعظم إثمًا، لفضل الزمان وحرمته.

ومن أقبح هذه المعاصي وأخطرها على المسلمين ما ابتلى به كثير من الناس من التكاسل عن الصلوات والتهاون بأدائها في الجماعة في المساجد، ولا شك أن هذا من أقبح خصال أهل النفاق ومن أسباب الزيغ والهلاك.

في هذا الشهر المُبارك والذي يحمل الكثير من الفتوحات في طياته، نسأل الله العلي العظيم أن يُفرِّج كربات المسلمين أينما حلُّوا، أن يمنّ بالتيسير على كل معسر، ونكون ممن نالوا ما تمنوا.

فيا أيها القارئ الطيب، انظر إلى هذه الفضائل الجمّة، والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك، فحري بك أن تعرف له حقه، وأن تقدره حق قدره، وأن تغتنم أيامه ولياليه، عسى أن تفوز برضوان الله، فيغفر الله لك ذنبك وييسر لك أمرك، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة، جعلنا الله وإياكم ممن يقومون بحق رمضان خير قيام.

المفتي خالد الصلح

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.