إجراءات وزير الاتصالات لضبط الإنترنت القرم: انتقال سلس من اللاشرعي إلى «الشرعي»

54

ما اقترحه وزير الاتصالات جوني القرم من حل لمعضلة شبكات توزيع وبيع الإنترنت غير الشرعية التي تغذي أحياءً في المدن والقرى اللبنانية كافة، لم يستسغه الحالمون بتطبيق القانون وإنفاذه على جميع الأراضي اللبنانية، وإعادة حق الدولة ودورها الحصري في إدارة خدمة الاتصالات والإنترنت إلى كنف الدولة. ولكن خطة الوزير، وإن كانت بماهيتها تشريع اللاشرعي، فإنها في واقعها استيعاب للشاردين عن القانون وإلزامهم تسديد جزء من العائدات والرسوم المهدورة إلى خزينة الدولة، وإدخال نحو 600 ألف مشترك بينهم مؤسسات وشركات ومصانع كبرى إلى حظيرة الداتا الرسمية. تنفيذ قرار ضبط شبكات الإنترنت غير الشرعي، وفق ما يؤكد القرم، سيؤدي إلى تغذية خزينة الدولة بإيرادات تقارب 60 مليون دولار سنوياً، وذلك عبر تنفيذ المرسوم الذي صدر في شهر حزيران 2022 ضمن مرسوم رفع التعرفة في الفقرتين 16 و17 من القسم الرابع. اقتراح الوزير يشبه في الشكل اقتراحات سابقة لتحسين إنتاج الكهرباء وتوزيعها وجباية فواتيرها، عبر السماح لمؤسسة كهرباء لبنان بتلزيم أصحاب المولدات توزيع كهرباء الدولة على المواطنين لتحسين الجباية عبرهم من جانب، وديمومة الصيانة الدورية على الشبكات الفرعية من جانب آخر. فكلا المقترحين وُضعا بسبب غياب الدولة وقدرة أصحاب المولدات وموزعي الإنترنت على القفز فوق القانون، وبناء شبكاتهم الخاصة وجباية فواتيرهم كيفما اتفقت مصالحهم، من دون تسديد أي ضرائب أو رسوم أو حتى بدل إشغال لأملاك الدولة وأعمدة الهاتف والإنارة العامة. القرم يستند في تبريره للإجراءات التي اتخذها الى خبرة الدولة مع قطاع المولدات، إذ إن «اللجوء الى القوة بالتنفيذ لم ينجح. عدا عن ذلك، فإنه في حال اللجوء الى القوة يجب أن تكون هناك الخدمة البديلة فيما وزارة الاتصالات ليس لديها البديل ولا الإمكانيات في الوقت الحاضر أو الاستثمارات المطلوبة لإيجاد البديل. من هنا جاء الحل بضبط الشركات التي أنشئت بشكل غير شرعي، ووصلها بالشبكة الاساسية لأوجيرو، على نحو يؤدي الى وقف الاحتكار وتأمين المنافسة على الشبكة». ولكن لماذا تلزيم الخدمات لطرف ثالث، بدل الاستثمار في شركتي الخلوي وهيئة أوجيرو؟ يعود القرم الى بيان «أوجيرو» رداً على مقال ورد في «النهار» تحت عنوان قرار وزارة الاتصالات حول الإنترنت غير الشرعي: هل يتكرر مشهد «كسّارات فتوش» و»ليبانسيل» و»سليس»؟، الذي أكدت فيه استحالة قيامها بالصيانة في ظل العدد المحدود لموظفيها، علماً بأنه على المدى الطويل وفق القانون 126 ستعود الشبكة كلها للدولة». عدا عن ذلك، يؤكد القرم أنه «عند تعديل تعرفة «أوجيرو»، أرسلنا الى وزارة المال أن الوزارة ستحصّل 20 ألف مليار ليرة من التعرفة الجديدة، وطلبنا أن تكون موازنة الوزارة بنحو 12 ألف مليار ليرة بينها 7500 مليار للصيانة والاستثمار و4500 مليار ليرة للرواتب، ولكن حصلنا على ما مجموعه 5600 مليار ليرة، فهل سيكون بمقدورنا إجراء استثمارات جديدة؟». وفي التفاصيل يشير قرم الى المرسوم رقم 9458 الصادر بتاريخ 24-6-2022 والمعنون «إطلاق خدمات جديدة وتعديل تعرفة ورسوم بعض الخدمات الهاتفية والإنترنت وخدمات الخطوط التأجيرية والشبكة الافتراضية عبر شبكة الألياف البصرية والشبكة النحاسية والشبكة اللاسلكية للأفراد والمؤسسات التجارية والأعمال والشركات وخدمات الجملة (wholesale) للشركات المرخص لها تزويد خدمات إنترنت وخدمات نقل المعلومات»، إذ كان الهدف منه تعديل تعرفة ورسوم خدمات الاتصالات ووضع منهجية جديدة لها، بما يتماشى مع التغيرات التي شهدتها البلاد لسعر الصرف ومع التطورات التي عرفها هذا القطاع، وبشكل أساسي إيجاد حل لظاهرة الإنترنت غير الشرعي المفندة بتقرير ديوان المحاسبة رقم 21/17 تاريخ 11-11-2021 والأخذ بتوصياته، بعدما تفاقمت هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة من دون اتخاذ أي إجراءات سابقاً لمعالجتها، علماً بأن إنشاء شبكات توزيع وربط وإدارتها واستثمارها من أجل توزيع خدمات الإنترنت ونقل المعلومات، دون أي ترخيص، يخالف ما نصّت عليه المادتان 189 و232 من المرسوم الاشتراعي رقم 1959/126 اللتان تنصان على أن «يحصر بوزارة البريد والبرق والهاتف حق إنشاء شبكات المواصلات السلكية واللاسلكية وإدارتها وصيانتها واستثمارها وتأجير الاتصالات وجميع أنواع التأسيسات. وقد شدد ديوان المحاسبة في رأيه الاستشاري رقم 2023/3 تاريخ 25-4-2022 وهيئة التشريع والاستشارات في استشارتها رقم 181/2023 على واجب الإدارة بالتخلص من حال اللامشروعية القائمة، وتالياً ضبط الشبكات المخالفة واستيفاء الرسوم والغرامات عنها والمحافظة على حصة وازنة للدولة في قطاع الاتصالات، وإلا يقع عملها في إطار هدر المال العام وإلحاق الضرر بمرفق الاتصالات. وبناءً على ذلك، فإن الغاية من إدراج القسم الرابع في المرسوم 2022/9458، هي وضع الأطر اللازمة لتأمين انتقال سليم ومرن من ظاهرة الإنترنت غير الشرعي، الى الوضع الشرعي الذي ترعاه القوانين مع الحفاظ على استمرارية الخدمة عبر وزارة الاتصالات، وإحالة الملفات المضبوطة الى القضاء المختص من أجل اتخاذ القرار المناسب بشأنها». ويؤكد القرم أن «الإجراءات الانتقالية التي لحظتها المادة 16 من المرسوم، التي منها عقود الصيانة، ليس من شأنها أن تسبغ أي شرعية على الشبكات المنشأة خلافاً للقانون، بدليل أن الوزارة أكدت ذلك في جميع القرارات والإجراءات المتخذة إنفاذاً لأحكام القسم الرابع من المرسوم، كما أشارت إليه أيضاً الهيئات الاستشارية والرقابية (ديوان المحاسبة وهيئة التشريع والاستشارات)».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.