الانهيار مستمرّ.. فهل أهدر اقتصاد لبنان جميع فرصه بالنجاة من وضعه الاقتصادي المأزوم؟

28

دخلت الأزمة الاقتصادية في لبنان رسمياً عامها الرابع على التوالي، وسط قلق متزايد من أن تشهد البلاد حرباً واسعة النطاق مع إسرائيل، ما يهدد بتعميق آثار الانهيار الاقتصادي التاريخي، الذي يعيشه لبنان منذ شهر تشرين 2019. ورغم سوداوية المشهد وتعقيداته، لم تنجح القوى السياسية اللبنانية حتى الآن، في إحراز أي تقدّم ملحوظ على صعيد تنفيذ الاصلاحات، التي تحد من التدهور وتساعد في إعادة الدورة الاقتصادية إلى مسار النمو، فمع نهاية شهر تشرين الأول 2023 خسر لبنان عاماً جديداً من أعوام بدء مسار التعافي الذي يتطلب تنفيذ إصلاحات هيكلية، كمدخل وحيد لوقف سقوط دعائم الاقتصاد وتفكك مؤسسات الدولة. يعاني لبنان منذ 4 سنوات من أزمة رباعية العناصر، تتعلق بالشق المصرفي، والمالي، والاقتصادي، والسياسي، وقد بدأت ملامح هذه الأزمة بالظهور في خريف 2019، مع إقفال المصارف لأبوابها وتوقفها عن إعطاء المودعين أموالهم، عبر فرضها قيودا صارمة على السحوبات الدولارية، في وقت كان يعد القطاع المصرفي اللبناني الركيزة الأساسية لاقتصاد البلاد. واستكمل الاقتصاد اللبناني مسار التدهور مع انهيار العملة الوطنية بشكل دراماتيكي، لتفقد الليرة اللبنانية أكثر من 95 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، وتنخفض من 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد في تشرين الاول 2019 إلى قرابة الـ 90 ألف ليرة للدولار حالياً، وقد تسبب هذا التراجع في تدمير القوة الشرائية للبنانيين الذين عاشوا تحت وطأة مستويات غير مسبوقة من ارتفاع أسعار الاستهلاك، حيث كشفت بيانات إدارة الإحصاء المركزي، أن أسعار المواد الغذائية في البلاد، سجلت ارتفاعات فاقت نسبتها الـ 6000 بالمئة منذ كانون الاول 2019 وحتى عام 2023. وقضت الأزمة الاقتصادية التي عاشها لبنان على مدار 4 سنوات، على معظم احتياطاته من العملات الأجنبية، فسياسة دعم أسعار السلع والمواد الأساسية التي تم إنتاجها خلال سنوات الأزمة، أدت إلى تراجع قيمة الاحتياطات الأجنبيّة في مصرف لبنان من 34.73 مليار دولار في منتصف تشرين الاول 2019، إلى 8.7 مليارات دولار في منتصف تشرين الاول 2023، وهذا ما دفع بحاكم مصرف بالإنابة وسيم منصوري، إلى الإعلان وفور تسلمه قيادة المركزي اللبناني في آب 2023، أن المصرف سيتوقف كلياً عن مد الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية، نظراً للشح الكبير الحاصل في احتياطاته. ومن الناحية السياسية، عانى لبنان وطيلة 4 سنوات من شلل على صعيد الحكم، تجلت مظاهره بعدم قدرة الأطراف السياسية على الاتفاق في ما بينها، للتصدي للمشكلات المالية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، كما أدت هذه الخلافات إلى شغور منصب رئاسة الجمهورية، الذي يعد أعلى منصب في الدولة منذ تشرين الاول 2022، ما انسحب تعطيلاً في عمل باقي المؤسسات الدستورية، والتي تشمل مجلسي الوزراء والنواب، إضافة إلى عدم القدرة على تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان المركزي، بعد إنهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة في تموز 2023، في وقت بات الفراغ يهدد مناصب إدارية وأمنية عليا أخرى، ما يدل على أن مستقبل لبنان الاقتصادي بات غامضاً، وأن الوضع يتجه إلى المزيد من التعقيدات.

خطوة غير مسبوقة وحذر من الحرب

ولأول مرة في تاريخه بدأ لبنان في شهر مارس 2023، تطبيق قرار التسعير بالدولار الأميركي في المحال التجارية، بهدف الحد من المضاربات والتلاعب في الأسعار بالأسواق، ومحاولة خلق استقرار بسعر صرف العملة الذي شهد منذ خريف 2019، انهيارات متتالية أدت إلى تسجيله مستوى 140 ألف ليرة للدولار في نهاية شهر آذار 2023، ليعود ويستقر قرب مستوى 90 ألف ليرة للدولار منذ نيسان 2023. وتأتي الذكرى الرابعة لأزمة لبنان الاقتصادية في وقت يترقّب فيه اللبنانيون بحذر إمكانية تمدّد رقعة الأعمال القتالية التي تشهدها يومياً الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، لتتحول إلى حرب واسعة النطاق، تؤثر بانعكاساتها الكارثية على الاقتصاد المُنهك أساساً، والغارق منذ 2019 في أزمات متشابكة ومعقّدة.

مسار وحيد للخروج من الأزمة

يقول المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان الدكتور محمد أبو حيدر، في حديث لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية»، إنه للأسف وبعد 4 سنوات من الأزمة، لم يتمكن لبنان من القيام بالاصلاحات المطلوبة منه، وهذا الموضوع يتسبب باستنزاف الدولة أكثر وأكثر، فالجمود الحاصل اليوم يؤدي إلى فقدان الثقة بلبنان، وبالتالي غياب الاستثمارات عنه، مشيراً إلى أن مسار الخروج من الأزمة، يتطلب تنفيذ الاصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة منه. ويكشف أبو حيدر أن الاصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي، هي إقرار قانون الكابيتال كونترول، وقانون إعادة هيكلة المصارف وخطة التعافي المالي والاقتصادي، إضافة إلى إدخال بعض التعديلات على قانون السرية المصرفية، معبّراً عن اعتقاده بأن تنفيذ هذه المطالب، كفيل بوضع لبنان على طريق الاصلاح والنهوض، فالالتزام بمعايير صندوق النقد الدولي، يخلق حالا من الثقة على صعيد محلي وعالمي، ما يساعد في جذب الاستثمارات وتحفيز النمو وخلق فرص عمل، وبالتالي إعادة إحياء العجلة الاقتصادية. وبحسب أبو حيدر فإن أكثر القطاعات التي تضررت في بداية الأزمة، كانت مصانع الإنتاج والصناعات الغذائية والزراعية، وذلك بسبب أزمة انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات بعد رفع الدعم عنها، فيما شهد لبنان أيضاً هجرة كبيرة لليد العاملة التي تمتلك مهارات عالية، لافتاً إلى أن الوضع في العام الرابع للأزمة، بات أفضل من السابق فالقطاعات الصناعية في لبنان بدأت تستعيد عافيتها، في حين ارتفع عدد تسجيلات العلامات التجارية الجديدة بشكل كبير في لبنان، وتحديداً في ما يتعلق بالمواد الغذائية.

هل أهدر اقتصاد لبنان جميع فرصه بالنجاة؟

من جهته، يرى الصحافي والمحلل الاقتصادي ألفونس ديب، أن المشكلة الحقيقية والسبب الأساسي للمشاكل التي يمر بها لبنان، هو النزاع السياسي المستمر، والتعطيل الذي كان يمارس على مدى سنوات طويلة، وهذا التعطيل نراه حالياً في جميع القرارات التي تتخذ، وحتى في الأمور الأساسية التي تتعلق بمصالح لبنان العليا، من انتخاب رئيس للجمهورية إلى تعيين حاكم مصرف لبنان، وكل التعيينات الأساسية الأخرى المرتبطة بهيكل الدولة، مشيراً إلى أنه حتى المشاريع الإصلاحية التي تم إرسالها الى مجلس النواب معطلة، إضافة الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي باتت تراوح مكانها، ولذلك أي تقدم يمكن أن يحصل على الساحة اللبنانية، مرتبط أولاً بحل الوضع السياسي في البلد. وكشف ديب أن اقتصاد لبنان لم يهدر جميع فرصه بالنجاة، ولكن القطاع العام في البلاد يتآكل ويتحلل، ومن المؤكد أنه سيقع في حال لم يتم تنفيذ خطة تعافي كاملة، من خلال الاتفاق مع صندوق النقد وتنفيذ الاصلاحات التي يطلبها، مشدداً على أهمية قيام الدولة اللبنانية، بإعادة هيكلة القطاع العام وإنقاذه، في حين تمكن القطاع الخاص من الصمود، بفضل المرونة التي يمتلكها والتي مكنته من تخطي الصدمات، حيث ساعد الانتعاش السياحي الذي شهده لبنان في صيف 2023، بدعم هذا القطاع.

المصدر: سكاي نيوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.