الحسرة على لبنان الذي كان
بقلم مروان اسكندر
قبل اسبوعين كنت مسافرًا من باريس حيث عائلة ابني وزوجته وابنته وقد واجهت بالصدفة المسؤول الدولي فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط الذي وضع يده على قلبه مرحبًا بالصدف، وهو كان قد صرف سنوات في لبنان رئيسًا لبعثة البنك الدولي وحيث هو اصلاً تونسي منفتح ويتقن العربية والانجليزية والفرنسية وبالتالي مارس عمله الهام في لبنان وهو متحمس لاعادة نشاط لبنان بعد سنوات الحرب ما بين 1975 و1982.
الحرب اللبنانية انتهت بعد ان هاجمت اسرائيل لبنان صيف 1982 ودفعت المجتمع الدولي الى التشديد على ضرورة اخراج المقاتلين الفلسطينيين، ورئيسهم ياسر عرفات من لبنان، وقد انجزت عمليات سفرهم بحرًا الى تونس البلد الذي كان بعيدًا عن مناخ حرب لبنان ومتمتعًا بمقدار من الديمقراطية وحقوق المرأة وهي خطوات اصر عليها الرئيس حبيب بورقيبة الذي ركز على مستويات التعليم والتجهيز بالطرقات ووسائل الانتقال وتنويع المحاكم بالنسبة للقضايا العالقة.
فريد بلحاج الشاب التونسي المثقف وجد ان وظيفته في لبنان تطلب منه الاسهام في اعادة تجهيز البلد بمؤسسات التعليم ووسائل النقل وتحديث المنشئات، وقد وجد لدى رفيق الحريري رغبة حقيقية وضميرية في اسعاف البلد الذي كان قد عانى من سنوات من القتال الطائفي الذي فسخ العلاقات بين المكونات اللبنانية الملتصقة بالاعتبارات الطائفية كما عانى كثيرًا من تعدد الاطراف المشاركين في المعارك وتصورات الحلول، وكان قدوم رفيق الحريري من السعودية وتوجهاته الثقافية والحياتية البلسم الذي مكن من تخطي سنوات الازمة والتي استمرت بالفعل منذ عام 1968 اول حادث تصدي لقوات الفدائيين وتجميد عملية الحكم حتى انجاز اتفاق ما بين ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني اميل البستاني (العسكري لا رجل الاعمال).
لقد نعم لبنان بتوأمة نظرة رئيس بعثة البنك الدولي مع انخراط رفيق الحريري باطلاق بناء المطار، ومؤسسة رفيق الحريري التي اسهمت في تدريس وتخريج 35 الف طالب وطالبة في جامعات خارجية وساهم رفيق الحريري في تعزيز اوضاع الجامعة اليسوعية والجامعة الاميركية للتين تأسستا منذ اكثر من مائة عام، وبدأت معالم الحياة تدب في الجسد اللبناني كما ان مكاتب بعثة البنك الدولي كانت تمركزت في وسط بيروت وكان
رفيق الحريري صاحب مشروع اعادة بناء وسط العاصمة وتبني شروط تحديث تماشي التطورات العالمية.
نعود الى اللقاء مع فريد بلحاج والذي كان قد اولج مسؤولية نيابة رئاسة البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وهي مسؤولية تطال العديد من البلدان العربية.
رحبت باللقاء مع فريد بلحاج الذي كان قادمًا لانجاز مهمات ملحة غير ميسرة حتى تاريخه، وهو وضع يده على قلبه عند السلام حيث كنا اصدقاء سابقًا وشاركت في اكثر من جلسة مع بعثات من البنك الدولي للتباحث في جدولة مشاريع الانجاز والتي تحقق بعضها سواء بمساندة البنك الدولي او اندفاع رفيق الحريري. التزمت ارسال نسختين انجزتهما باللغة الانجليزية عن اسباب تردي انجاز القطاع العام مشاريع تطوير التعليم والثقافة التي انخرط بها فريق البنك الدولي في لبنان حينما ترأسه فريد بلحاج، وقد وصلتني من المبعوث الدولي رسالة عزيزة اترجمها الى العربية وان كانت مرسلة بالإنجليزية والرسالة تقول حرفيًا.
« عزيزي مروان – كل الشكر لارسالك لي الكتب. اني اقرأهم باهتمام كبير كما تتصور. كل الاحترام والشكر، اراك قريبًا «.
ارسل لي ايضا رقم هاتفه وجاوبته بكلمتين. ورد علي بكلمتين بالعربية «ان الشكر لك».
التفات مسؤول دولي على هذا المستوى لقراءة كتابين عن مآسي لبنان، دليل على نفسية مرسل الشكر.
بعض صورة اسباب مأساة لبنان تحادثنا حولها ويعجب فريد بلحاج من تصرفات السياسيين. فهو يقول انه يأسف لتأخير الاصلاحات والسبب الرئيسي انخراط السياسيين في لعبة التسلط على السلطة ونسيان وتجاوز الحاح الاصلاحات.
الاقتتال المتقطع مع الاسرائيليين والجاري مع حزب الله تسبب حتى تاريخه في تهجير 100 الف لبناني ولبنانية من منازلهم، وتهديم مساكن قياديين من حزب الله وحتى من فريق اقتحام ضواحي غزة بتاريخ 7 تشرين الاول عام 2023، والتهديد المستمر
بتوسيع رقعة الحرب من اسرائيل في مجابهة قوات حزب الله التي تسعى لحماية الاراضي اللبنانية.
الامر المحزن كثيرًا ان خسائر لبنان بالأرواح تجاوزت 300 من المقاتلين والمواطنين دون مشاركة في القتال، وتقدر الخسائر المادية في الزراعة وتهديم بيوت السكن ومنشئات الكهرباء والمياه باكثر من 3 مليار دولار حتى تاريخه. ومعلوم ان لبنان يسعى دون جهد طليعي لاستقطاب تسهيلات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على مستوى 3-4 مليار دولار والمساعي الخجولة وغير الموفقة غير مستمرة وحسب رأي الخبير الدولي المحب للبنان واهله التأخير الحاصل يعود الى تركز كبار السياسيين مصالحهم الفئوية والدينية قبل اهتماهم بتامين ارضية التعايش والنمو: والسؤال كيف للبنان ان يحيا بهدوء؟
مروان اسكندر