حديث رمضان – رمضان شهر التقوى والطاعات

41

بقلم القاضي الدكتور

الشيخ محمد أحمد عساف

رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

ها نحن ما زلنا على أعتاب شهر رمضان المبارك، نبتهل من روحانياته الإيمانية، ونشتم من عبق نسيمه المعاني التي تشحن نفوسنا وأرواحنا بمدد من الهمم التي تنقلنا من عالم المادة إلى عالم الإيمان والوجدان والطاعة، التي ملؤها الإخلاص لله تعالى على ما أنعم علينا من نعمة الصوم الذي هو خلاصٌ للبدن من شوائب الأمراض، وخلاص للروح من درائن الخبث، فهو يرتقي بالإنسان إلى عالم التقوى، قال الله تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا كُتِبَ عليكُمُ الصِّيامُ كما كُتِبَ على الذينَ من قبلِكُم لعلَّكُم تَتَّقونَ}.

فالصيام طريقٌ إلى تقوى الله عزَّ وجلَّ التي هي أساسُ حياة المؤمن، فإذا عُدِمتْ التقوى من حياة الإنسان أضحت حياته كريشة في مهب الرياح العاتية، تتقاذفها وترمي بها في باطن النفس المريضة، فالتقوى إذا تملكت القلب سارت به نحو طريق الفضائل، وحصنته من الرذائل، وإذا تملكت قلب المؤمن زرعت فيه روح الإخلاص إلى الله سبحانه وتعالى في نفسه، فيصبح عملُه كلُّه خالصاً لله سبحانه وتعالى، فالإخلاص لله تعالى هو وقود الحياة التي لا يستطيع الإنسان أن يحيى إلا بضخ هذا الوقود في خزان قلبه، ليتقد نوراً يشع في أرجاء جسمه، فينير له دربه.

فالتقوى مكمن العزِّ في نفس المؤمن، قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: «من لم تعزه التقوى فلا عزَّ له»، وهي تنقل المؤمن من ذل المعصية إلى عز الطاعة، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «من أراد الغنى بغير مال، والكثرة بلا عشيرة، فليتحوَّل من ذُل المعصية إلى عز الطاعة، أبى الله إلا أن يذِلَّ من عصاه»، وهي أنفع الذخائر، قال الربيع بن سليمان المرادي: سمعت الشافعي يقول: «أنفع الذخائر التقوى، وأضرُّها العدوان».

فالصوم أيها الأخوة بابٌ من أبواب العبادات المحضة الخالصة لله سبحانه وتعالى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ – مَرَّتَيْنِ – وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا»، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»، هذا لأنَّ الصيام من العبادات الخالصة لله سبحانه تعالى، فلا يشوب الصائم شيء من المعاصي في صيامه، كقول الزور والعمل به.

فعلينا أيها الأخوة أن نستغلَّ هذا الشهر الكريم بكثرة الطاعات من صوم وصلاة وقيام، وقراءة قرآن وتسبيح وتهليل وتحميد، واستغفار، ويكون عملنا خالصاً لله تعالى كي ندخل في رضوانه، ونبتعد عن عذابه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صَامَ يَوماً في سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعَينَ خَرِيفَاً» ، وندخل يوم القيامة باباً لا يدخله إلا الصائمون، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

فهنيئاً لمن صام رمضان إيمانا واحتساباً، وهنئيناً لمن أدركه وقد غُفِرت ذنوبه، وهنيئاً لمن قام ليله، وخلص عمله، ودخلت التقوى قلبه، وزكت نفسه، وصفت سريرته، وارتاح وجدانه، وزرعت المحبة في قلبه، ونزع الحقد والحسد والكره من لبه.

القاضي الدكتور الشيخ محمد أحمد عساف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.