دولة فلسطينية مهما طال الزمن

99

كتب عوني الكعكي:

تزايدت المواقف المنتقدة للسياسة الاسرائيلية بعد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لدعوات وقف إطلاق النار، ومعارضته الشديدة لمشروع «حلّ الدولتين». حتى أنّ أقرب حلفائه: جو بايدن في الولايات المتحدة ووزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك اللذان أعلنا بوضوح ان حلّ الدولتين هو الحلّ الوحيد للصراع المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين. وأضافت وزيرة خارجية ألمانيا قائلة: «كل أولئك الذين يقولون إنهم لا يريدون أن يسمعوا شيئاً عن مثل هذا الحل لم يقدّموا أي بديل». من جهتها، أكدت الحكومة الاسترالية انها تدعم حلّ الدولتين، الذي بموجبه يستطيع الاسرائيليون والفلسطينيون العيش في أمن وازدهار.

هنا تبرز نقطتان أود الإشارة إليهما بشيء من التفصيل:

أولاً: لماذا يرفض نتانياهو حلّ الدولتين، ويعمل المستحيل لتستمر الحرب كي يُفشل مخطط حلّ الدولتين هذا؟

يقول إسرائيليون مقرّبون من نتانياهو نفسه إنّ إصرار رئيس الوزراء الاسرائيلي في رفضه إقامة دولة فلسطينية، يستند -حسب رأيهم- الى دوافع عقائدية وتاريخية قديمة، الى جانب أسباب سياسية وانتخابية وشخصية، وهذا هو الأرجح.

وهنا لا بدّ من أن نشير الى الأسباب الحقيقية التي ترسم سياسة نتانياهو، وبين تمدّد الفكر الصهيوني والتلمودي في المجتمع الاسرائيلي ومحاولة نتانياهو كسب ود هذا العدد في انتخابات يَحْلم بأن تعيده الى منصبه… وهذا يبدو بعيداً جداً حسب الواقع في إسرائيل، إذ ان نتانياهو سيدخل السجن بالتأكيد بعد ذهاب حكومته المتطرفة بتهم رشى وفساد، إذ تنتظره المحاكم بشغفٍ أكيد.

إشارة الى أنّ رفض حلّ الدولتين مُترسّخ في مسيرة نتانياهو، سواء حين كان زعيماً للمعارضة أو خلال توليه منصب رئيس الوزراء… وكان موقفه قد ظهر واضحاً بعد توقيع «اتفاق أوسلو للسلام» مع الفلسطينيين عام 1993.

وما يدلّ على جنوح نتانياهو نحو الرفض المطلق لحلّ الدولتين ووقف إطلاق النار، ما قاله هو نفسه حرفياً في مؤتمر صحافي: «أنا فخور لأنني منعت إنشاء دولة فلسطينية، لأنّ الجميع اليوم يفهمون ما كان يمكن أن تكون عليه تلك الدولة الفلسطينية لو أُنشئت». وتابع: «وها نحن الآن بعد أن رأينا الدولة الفلسطينية الصغيرة في غزّة وماذا فعلت بنا، يفهم الجميع ما كان سيحدث لو استسلمنا للضغوط الدولية وقمنا بتمكين دولة كهذه من الوجود».

والدليل على صحة ما يريده نتانياهو من رفض وجود دولة فلسطينية ما قاله خبير إسرائيلي بتاريخ دولة إسرائيل، حيث قال: «حين أحضر رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين أوراق «اتفاق أوسلو» الى الكنيست لإقراره في أيلول (سبتمبر) عام 1993، تصدّى له زعيم المعارضة آنذاك بنيامين نتانياهو، متحدثاً عن الجذور التاريخية والتلمودية للشعب اليهودي مع مناطق الضفة الغربية والقدس وبيت لحم والخليل، مؤكداً أنّ أهمية هذه المناطق لليهود تفوق تل أبيب وحيفا وبئر السبع».

ثانياً: أعود الى نقطة أساسية… وهي ان الولايات المتحدة وحلفاءها يدعمون ظاهرياً: حلّ الدولتين… لكنها تزيد كمية السلاح المتطوّر لإسرائيل وتستعمل حق النقض في مجلس الأمن (الڤيتو) وتدلّع الدولة العبرية وتدلّلها؟

الجواب بالتأكيد واضح لدينا ولكل متابعي تسلسل الأحداث: وهو ان الرئيس الاميركي جو بايدن ومن «لفّ لفّه» لا يبدو عازماً فعلاً على المضي قُدُماً نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة كما صرّح أخيراً، وإنما هو يحاول تحقيق أهداف انتخابية داخلية، وجرّ مزيد من الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، من دون وقف الجرائم التي ترتكبها الدولة العبرية في غزّة.

وكان بايدن -وهذا دليل على خداعه- قد أكد قبل مدّة ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لا يعارض حلّ الدولتين و(كذا)، مضيفاً أنّ ثمّة أنماطاً لهذه الدولة، وهو ما نفاه نتانياهو على الفور.

هذا النفي السريع من نتانياهو لقبوله بحلّ الدولتين، اعتبره مراقبون ومحلّلون بمثابة إهانة صريحة لواشنطن.. وهنا أعتقد جازماً ان تصريحات بايدن عن دولة فلسطينية ذات أنماط، لم يحدّد طبيعتها لا يعدو كونه بيع أوهام للفلسطينيين والعرب والعالم كله.

وبالنظر الى تاريخ نتانياهو السياسي القائم بالأساس على منع إقامة أي دولة فلسطينية مستقلة، وتصريحاته الأخيرة التي قال فيها : «إنّ إسرائيل لن تتخلى عن كل ما هو غرب نهر الأردن (الضفة الغربية)». وقوله السابق عن أنه أفضل رئيس وزراء يمكنه منع قيام دولة فلسطينية، فإنّ إعلان بايدن موافقته على «حلّ الدولتين» هو مجرّد نفاق سياسي لا يجب التعامل معه فلسطينياً أو عربياً، إلى جانب ان بايدن لم يحدّد نمط الدولة التي يتحدّث عنها، والتي قد تكون مجرّد معسكرات بلا سيادة ولا حدود وتحت احتلال يمارس الفصل العنصري ضدها.

والأهم من هذا كله، ان بايدن لم يتحدث عن وقف الحرب وهو يعارض وقفاً دائماً للحرب، ولا هو تحدّث عن وقف الاستيطان ولا إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية… ما يعني انه يحاول إرضاء الناخبين الغاضبين منه، وتوفير نوع من «الترضية» للعرب والمسلمين.. وإلاّ… لماذا يتمادى في رصد أموال لا حدود لها، وفتح مخازن أسلحة لتزويد إسرائيل بها… كل هذا يوحي بأنه منافق وخادع. وخير دليل على ما أشرنا إليه، أنّ الكنيست الاسرائيلي كان قد تبنّى وبأغلبية كبيرة إعلان نتانياهو الرافض لإقامة دولة فلسطينية.

الحلّ الصحيح والمفيد والمنطقي هو قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها «القدس الشريف». وكل ما يُقال غير ذلك أوهام وأحلام، والشعب الفلسطيني الصامد المؤمن مصمّم على انتزاع دولته المستقلة مهما كانت العوائق… ولن تستطيع إسرائيل، ولو بمساعدة العالم كله، حرمان شعب اضطهد وحوصر وعانى القهر والحرمان، من الوصول الى ما يريد.

لقد بشّر الله تعالى المؤمنين بالنصر، ووعد الله حق ولو كره الكافرون.

aounikaaki@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.