طيّار أميركي يحرق نفسه ليوقظ العالم على المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين

60

كتب عوني الكعكي:

يكتنف الغموض مصير غزّة بعد انتهاء الحرب التي بدأت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. فقبل هذا التاريخ كان الوضع القائم خطيراً ومؤلماً بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الاسرائيلي.. أما بعد الاجتياح الاسرائيلي الهمجي والبربري لغزّة،  والقصف العشوائي،  وبعد مضي أربعة أشهر ويزيد من هذه الحرب المدمّرة على القطاع،  وصمود «حماس» والمقاومة الفلسطينية الاسطوري،  وفشل بنيامين نتانياهو في تحقيق أيّ من أهدافه بالقضاء على «حماس» وتأمين محيطها،  واستعادة المحتجزين في القطاع،  واستمرار العنف الممنهج للقضاء على شعب غزّة… بدا أنّ هذه الحرب هي الأطول والأكثر دموية بين إسرائيل والفلسطينيين منذ «نكبة» عام 1948،  فقد أحدثت هذه الحرب في غزّة المناضلة دماراً غير مسبوق،  وأزمة إنسانية كارثية وخلفت حوالى 30 ألف قتيل وحوالى مليون و900 ألف نازح،  وأشعلت نار التصعيد في الشرق الأوسط.

لقد شهد العالم كله،  الدمار الشامل في البنى التحتية والمباني والمشافي ودور العبادة في غزّة،  التي تحوّلت الى أرض ممسوحة… وشعبها الصامد البطل يعاني الأمرين. والضمير العالمي في سبات عميق… ويمكن وصف الوضع الذي مرّ به «القطاع» ولا يزال بأنه الأفظع في القرن الحادي والعشرين بحسب المنظمات الدولية،  وهنا يمكن القول:

أولاً: عجز المنظمات الانسانية والدولية عن إيقاف عمليات الإبادة التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني.

ثانياً: بدأت صحوة الضمير العالمي،  أو فلنقل بعضه،  من خلال إدانة جنوب أفريقيا لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية نصرة للشعب الفلسطيني.

ثالثاً: موقف الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا داسيلفا الثابت والجريء… فهو لم يقبل على نفسه السكوت عما يجري… فقام بطرد السفير الاسرائيلي من بلاده،  وعمد الى إقالة سفير بلاده في تلّ أبيب لأنه لمس منه تساهلاً في الموقف الذي يتطلب جرأة وصدقاً وموقفاً حاسماً.

رابعاً: أمام هذا كله،  أثبت الشعب الفلسطيني صموده وإيمانه بقضيته رغم المعاناة والظروف الصعبة التي تعرّض لها الفلسطينيون خلال هذه المدة.

خامساً: استمرار إسرائيل في عملياتها التضليلية وادعائها الدفاع عن نفسها متجاهلة دورها في معاناة الشعب الفلسطيني على مدار 76 عاماً من الاحتلال والانتهاكات.

سادساً: إقرار خبراء القانون الدولي،  انطلاقاً من المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بحق الشعوب في الدفاع عن أرضها في حال الاعتداء عليها بالقوة المسلحة.

سابعاً: يفقد الاحتلال الاسرائيلي حق الدفاع عن نفسه في الارض التي احتلها بالقوة،  ويعاد إليه (أي الى الشعب الفلسطيني) حق الدفاع لأنه هو صاحب الارض.

ثامناً: إقرار المحكمة الجنائية الدولية أنّ غزّة أرض محتلة.

تاسعاً: تبيّـن انه لا يمكن القضاء على «حماس»،  باعتبارها حركة إيديولوجية.

عاشراً: تبيّـن بوضوح تورّط الادارة الاميركية وحلفائها في الجرائم التي يشهدها قطاع غزّة.

وأعود الى صحوة الضمير العالمي التي بدأت مع جنوب أفريقيا ومع رئيس البرازيل لأذكر ما حدث مع الطيّار الأميركي آرون بوشنيل الذي أشعل النار في جسده أمام السفارة الاسرائيلية بواشنطن احتجاجاً على العدوان الاسرائيلي على قطاع غزّة،  وتنديداً بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في القطاع. هذا الجندي الذي يبلغ الخامسة والعشرين من عمره وحاصل على درجة البكالوريوس في هندسة البرمجيات من جامعة «ويسترن جوفرنرز» بولاية يوتا الأميركية.

لقد أبى هذا الجندي البطل أن يصمت على ما ترتكبه إسرائيل من مجازر وإبادة بحق الابرياء،  فأعلن وهو يتجه الى السفارة الاسرائيلية في واشنطن أنه سينظم احتجاجاً عنيفاً للغاية…

أضاف: «مهما كانت قوة احتجاجي،  فإنه سيبقى ضعيفاً بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم». ولدى وصوله أمام السفارة سكب بوشنيل البنزين على رأسه وأضرم النار في نفسه وهو يصرخ: «الحرية لفلسطين» مراراً وتكراراً حتى توقف عن التنفس.

هنا يمكن القول إنّ هناك تحركات جدّية بدأت عند الشعوب في دول عدّة من العالم،  وانتفاضات ضد الظلم والإبادة التي ارتكبتها إسرائيل ولا تزال. كما أنّ هناك أدلة عدّة تثبت ما أقوله عن صحوة الضمائر الحرّة في العالم وعند أشخاص كثر..

فخلال مؤتمر شاركت فيه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والمرشحة الديموقراطية السابقة لرئاسة الجمهورية في أميركا في وجه دونالد ترامب،  الذي فاز عليها بفارق ضئيل.. تعرّضت كلينتون بعد إجابتها على سؤال حول رأيها في ما تقوم به إسرائيل في غزّة،  إذ قالت في الندوة: «إنّ إسرائيل تدافع عن نفسها ولها الحق في ذلك». أضافت: «وإن كنت حزينة لوقوع ضحايا كثيرين من المدنيين..» هنا تعرّضت لمقاطعات كثيرة من الجمهور الموجود في القاعة.. متهماً إياها وإدارتها (إدارة جو بايدن الحالية) بالكذب والنفاق وعدم الانسانية والتدجيل… وعدم قولها الحقيقة كما هي.

المحتجون أُخرجوا من القاعة بالقوة فوراً. لكن كلينتون أصيبت بصدمة وأُحرجت بالفعل.

إلى ذلك،  وصف الدكتور الأميركي عرفان غالاريا Irfan Galaria وهو جرّاح تجميل وترميم لمحطة الـCNN حين كان في قطاع غزّة في مهمة تطوعية لمساعدة الشعب الفلسطيني هناك،  بأنّ ما يحدث أو ما حدث في غزّة لم يكن حرباً بالتأكيد،  بل هو إبادة جماعية.

وقد روى الطبيب ما شاهده في القطاع،  فتحدّث الى مذيع الشبكة مايكل هولمز حول تجربته في القطاع فقال:

«ما شهدته خلال عشرة أيام قضيتها في غزّة لم يكن حرباً… لقد كان إبادة بكل ما في الكلمة من معنى. لقد شهدت قصفاً غير منطقي ولا معقول على المرضى والمدنيين والأجهزة الطبّية… كما شهدت عملية إجلاء للمرضى… ويرجع ذلك الى القصف المدمّر،  وإلى ما وصفته منظمة الصحة العالمية بالنقص الحاد في الغذاء والماء والإمدادات الطبّية. إنها معاناة شديدة ما رأيته حول المستشفى وفي داخله… إنها حرب إبادة بشعة ومقصودة لإبادة السكان… كل السكان».

يضيف الطبيب: «إنّ الجيش الاسرائيلي ومنذ بدء اجتياح القطاع يستهدف المستشفيات بشكل خاص،  إذ تقول إسرائيل إنّ عناصر وقدرات حماس توجد داخل مستشفيات القطاع.

لقد خرجت مستشفيات عدّة من الخدمة وتوقفت عن العمل ومنها المستشفى الذي كنت أعمل فيه متطوّعاً.

إنّ عمل الطواقم الطبّية لم يكن ميسّراً أو سهلاً.. هذا العمل كثيراً ما كان مصحوباً بأصوات القذائف والصواريخ التي تنهال على المستشفى،  ما فرض استحالة استقبال أي مصاب أو مريض جديد».

أضاف: «حتى قافلة المركبات المخصصة لتأمين عملية إجلاء المرضى والطواقم الطبّية لم تعد قادرة على التحرّك».

وختم: «إنّ الإخلاء القسري للمستشفى ترك المرضى في الشوارع بدون رعاية طبّية. هذا غيض من فيض…»

صحيح ان إسرائيل حاولت إخفاء جرائمها ومجازرها بحق الفلسطينيين لكن العالم استيقظ من سباته العميق،  وحمل راية الحق دفاعاً عن شعب مظلوم ومقهور. والآتي أعظم والحبل على الجرّار.

aounikaaki@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.